كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

وأما تخليل اللحية: فذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة إلى أنها تخلل في الوضوء إذا كانت خفيفة تظهر البشرة تحتها، وأما إذا كانت كثيفة فإنها تخلل في الغسل، ولا يجب تخليلها في الوضوء، وهذا قول مالك في وجوب تخليل الكثيفة في الغسل. وذكر القرطبي أن مالكًا سئل عن تخليل اللحية في الوضوء؟ فقال: إنه ليس من أمر الناس، وهذا محمول على الكثيفة. وعن ابن عبد الحكم: إن التخليل واجب، وقال ابن خُوَيْز منداد: إن الفقهاء اتفقوا على أن التخليل غير واجب في الوضوء -يعني في اللحية الكثيفة. قال ابن عبد البر: الأحاديث الواردة في تخليل النبي - صلى الله عليه وسلم - لحيته كلها ضعيفة اهـ.
وقد عرفت أن هذا محمول على الكثيفة في الوضوء وأما الخفيفة في الوضوء والكثيفة في الغسل، فلا تدخل في ذلك لأنهم يرون تخليل الخفيفة لظهور البشرة منها، بخلاف الكثيفة، فإنها لما كست الوجه نابت مناب ظاهر الوجه، فوجب غسل شعرها دون تخليل ما تحتها، لأنها سترته؛ فكأن الفَرْضَ انتقل إليها. وقد تقدم أن مالكًا قال بتخليلها في الغسل، كما يأتي إن شاء الله.
وأما المسترخي من شعر اللحية: فذهب الإِمام أبو حنيفة في المشهور عنه إلى أن الواجب غسل ربعه كما هو مذهبه في الرأس، والقول الثاني: إنه يغسل ما حاذى محل الفرض منها، والثالث: لأبي يوسف غسل الجميع، وهو قول محمَّد، وهو الصحيح عندهم، وذكر صاحب البدائع عن ابن شجاع أنهم رجعوا عما سوى هذا القول. وهو الظاهر من قول أحمد، والذي عليه أصحابه، والشافعي، ومالك. قال ابن عبد البر: (من جعل اللحية كلها واجبًا جعلها وجهًا؛ لأن الوجه مأخوذ من المواجهة، والله قد أمر بغسل الوجه أمرًا مطلقًا، لم يخص صاحب لحية من أمرد، فوجب غسلها بظاهر القرآن لأنها بدل من البشرة) اهـ.
قال مؤلفه -عفا الله عنه-: وهذا هو الصحيح لأنها لما سترت البشرة صارت هي ظاهر الوجه، فدخلت في المأمور بغسله، وفي رواية عن الشافعي مثل إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، وهي أن يغسل منها ما حاذى البشرة، وسترها دون غيره. قال ابن عبد البر: من لم يوجب غسل ما انسدل من اللحية، ذهب إلى أن الأصل المأمور بغسله البشرة، فوجب غسل ما ظهر فوق البشرة، وما انسدل من

الصفحة 46