كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

في احتمال الغسل بذلك مع احتمال الغسل بالنبيذ، ومثله في العجب، أو أكثر قوله: (إن الآية دلت على عدم وجوب الترتيب) خلافًا لقول الجمهور فيها -على ما تقدم بيانه- من أن الترتيب هو المروي عنه - صلى الله عليه وسلم -، فهو بيان مجمل الواجب فعله في الآية فيجب اتباعه، فسبحان من لم يجعل العصمة إلا للرسل.
تنبيه:
ويؤخذ من وجوب غسل الوجه، واستيعابه بالماء، وكذلك من الأحاديث الدالة على طلب إسباغ الوضوء وفضله، أنه لابد أن يتناول في الغسل شيئًا زائدًا على المغسول مما جرت العادة بأنه لا يتم تحقق الاستيعاب إلَّا به، وأما تعمد الزيادة على الفرض فهي غير مشروعة عند الجمهور لما قدمنا من أن الوضوء متلقى من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينقل عنه أنه زاد على المفروض عليه، وذهب الشافعية إلى أنه يستحب تمسكًا بما أوّلوا به إطالة الغرة من حديث: "من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل"، وبحديث أبي هريرة لما توضأ إلى الإبط. وسيأتي أنه لم يسند ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل أخبر أنه تأول حديث "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء"، وتأويل الصحابي إذا خالفه غيره لا يكون حجة، لاسيما والمروي عنه - صلى الله عليه وسلم - خلافه. وأما إطالة الغرة: فإن الجمهور على أن المراد بها إكثار الوضوء، لأنه محل الفضل كما سيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله وبه الثقة، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
قوله: ({وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}): أي: واغسلوا أيديكم إلى المرافق. تقدم الكلام على مدلول اليد، والمرفق في اللغة، والمراد هنا وجوب غسل هذا العضو من الإنسان إلى الغاية المذكورة، وقد اختلف العلماء في دخول الغاية فمنهم من قال: هي غير داخلة كما تقول: قرأت من أول القرآن إلى سورة كذا وكذا، فالسورة غير داخلة في المقروء، وقيل: داخلة كما تقول: قرأت الصحيفة إلى آخرها، وذكر القصة إلى آخرها، وقال قوم: إن الغاية إن كانت من جنس المغيا دخلت، وإلَّا لم تدخل، وهي هنا من جنس المغيا، والذي يظهر لي -والله أعلم- أن الاستقراء دل على دخولها أحيانًا، وعدم دخولها في بعض الأحيان، والكل صحيح؛ فإذن الأمر محتمل للدخول وعدمه، فيرجع إلى القرائن والأدلة الخارجة عن مجرد اللفظ، وهي دالة على دخولها هنا لصحة ذلك من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهي

الصفحة 48