كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

إما داخلة على قول من يقول إنها دخلت بالغاية، أو هي داخلة بمقتضى فعله في الوضوء، فقد ثبت عنه أنه أدار الماء على مرفقيه، فهو -كما تقدم- بيان مجمل ما أوجب الله من ذلك فوجب اتباعه، ولاسيما أن القول بدخولها أحوط في الدين لحصول القطع باستيعاب الفرض بغسلها، ولذا قال الألوسي: (قال الشافعي: لا أعلم خلافًا في أن المرافق يجب غسلها، ولذا قيل: إلى بمعنى مع كما في قوله تعالى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} أي مع قوتكم وقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}). اهـ. وقال ابن قدامة: (وأكثر العلماء على أنه يجب إدخال المرفقين في الغسل، منهم: عطاء، ومالك، والشافعي، وإسحاق وأصحاب الرأي. وقال بعض أصحاب مالك، وابن داود: لا يجب، وحكي ذلك عن زفر؛ لأن أمره بالغسل إليهما وجعلهما غايته بحرف إلى، وهو لانتهاء الغاية فلا يدخل المذكور بعده كقوله تعالى: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} قال: ولنا ما روى جابر بن عبد الله: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه"، وهذا بيان الغسل المأمور به في الآية) اهـ .. ثم ذكر نحوًا مما تقدم من أن "إلى" تكون بمعنى "مع". قال كاتب الأحرف -عفا الله عنه-: وهذا بيّن لمن أنصف والله أعلم، والاستدلال بقوله: {إِلَى اللَّيْلِ} لا يتم في مثل هذا؛ لاختلاف الحالتين، فإن الغاية هنالك ليست من المغيا، بل هي مخالفة له، وقد بين قبلها أن الأكل والشرب والجماع مباح لهم في الليل بقوله: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} الآية.
وقوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} تقدم الكلام على معنى المسح، ومعنى الباء في شرح مفردات الآية، فالباء هنا قيل: إنها زائدة كما تقدم، لأن الفعل يتعدى بنفسه. وتقدم أن بعضهم قال: إن زيادتها لإفادة معنى هو الدلالة على ممسوح به وهو الماء أي: امسحوا الماء برؤوسكم؛ لأنها لو لم تذكر لصح أن يقال: إن إمرار اليد على الرأس هو المطلوب، ولو بدون ماء لصدق اسم مسح الرأس عليه، وقيل: الباء للإلصاق، وهو المعنى المتفق عليه للباء، وقيل: للتبعيض ودلالتها عليه مختلف فيها، ولذلك اختلفوا في مسح الرأس، فمن قال إنها للتبعيض قال يكفي مسح بعض الرأس، وقد تقدم أن ابن مالك نقل ذلك فيها، وذكر الألوسي أن نقله عن أبي علي في "التذكرة" ويستشهد له بقول الهذلي:
شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضرٍ لهن نَئِيجُ

الصفحة 49