كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)
أي شربن من ماء البحر وأُنكر ذلك، وجوّز بعضهم أن يكون معنى مستعارًا فيها بماء، وقد أنكر ابن قدامة هذا المعنى في الباء فقال: (قولهم: إن الباء للتبعيض غير صحيح ولا تعرف العرب ذلك، قال ابن برهان: من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه) اهـ. قلت: وهو محجوج بما تقدم عن ابن مالك، وهو إمام في الفن، وقيل: إن العرف نقلها للتبعيض. والذين قالوا إنها للتبعيض، وهم الشافعي، ومن وافقه، وأبو حنيفة، ومن وافقه اختلفوا في القدر الذي يجوز الاقتصار عليه من الرأس. فقال الشافعي: الواجب أقل ما يصدق عليه اسم المسح، وأما أبو حنيفة فهو وإن كان يرى التبعيض؛ لكنه يرى أن الكمية التي يجب أن تمسح مجملة، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الناصية وعلى العمامة كما في حديث المغيرة عند مسلم، وغيره، وحديث أنس الذي رواه أبو داود، وسكت عليه: (رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ، وعليه عمامة قطرية فأدخل يده تحت العمامة فمسح مقدم رأسه)، وبمرسل عطاء: (أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ، فحسر العمامة ومسح مقدم رأسه، أو قال: ناصيته) والناصية ربع الرأس، والمرسل عنده حجة ومقدم الرأس عنده بمثابة الربع. ولا يخفى أن هذه النصوص ليس فيها تحديد الربع، ولا الثلث، ولا غير ذلك بالنص حتى يكون حدًا فاصلًا في مقدار الممسوح، وغاية ما فيها أنها دلت على أن المسح وقع على بعض الرأس، وهو محتمل لأن يكون اقتصر عليه، وأن يكون أتم على العمامة، وجعلها بمثابة الجبيرة، وأن يكون اقتصر على بعض الرأس، دون العمامة، وأصح الثلاثة حديث المغيرة فالاحتجاج بما ذكر فيه أبين، وفي بعض رواياته: ومسح بناصيته، وفيها مثل ما في الآية من الاحتمال للتبعيض، وغيره، وعلى هذين المذهبين مذهب الشافعي، وأبي حنيفة ليس عندهم في الآية إجمال في المسح، وإن كان قول أبي حنيفة قد يقال فيه إن الذي تمسك به كالبيان، وهذا هو المشهور في مذهبهم، وفيه قول بأنه يجزئ ثلاثة أصابع، ولهذا قال بعضهم: إن الإنسان قد يتوضأ، ولا يحتاج عندهم إلى مسح رأسه لأن هذا المقدار غالبًا يحصل غسله مع الوجه، وهم لا يشترطون النية ولا الترتيب، فلا يحتاج إلى مسح الرأس، وأغرب منه أنه لو بلّت السحاب ذلك المقدار أثناء الوضوء أجزأه عندهم لما تقدم، ولا يخفى ما فيه.
وذهب مالك وأحمد في الرواية الصحيحة عنده إلى أن الواجب مسح
الصفحة 50
1920