كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

الرأس كله؛ لأن الباء عندهم إما زائدة، وإما للإلصاق، واحتمالها للمعاني المتقدمة يجعلها مجملة، ولهذا مثّل بها الأصوليون للإجمال في الحروف، فيحتاج إلى البيان من السنة، والذي في السنة مسح الرأس كله؛ إلَّا أن أحمد جوّز المسح على العمامة المحنكة، وهي التي تدار تحت الحنك، دون المقطوعة، ووجه ذلك عنده أنها هيئة عمائم العرب، وفي نزعها مشقة، والتي لها عذبة اختلف قوله فيها: فمرة أجاز المسح عليها؛ لأنها تخالف عمائم أهل الذمة، ومرة منع ذلك، وعنده قول بأن من مسح الأكثر أجزأه؛ لأنه بمثابة الكل، وروي عنه قدر الناصية يجزئ. قال ابن قدامة: (الظاهر عن أحمد -رحمه الله- في حق الرجل وجوب مسح الكل، وأما المرأة فيجزئها مسح مقدم رأسها كما روي عن عائشة أنها كانت تمسح مقدم رأسها). قلت: ولا أعلم خلافًا بين العلماء في أن مسح الكل في الوضوء أتم، وأكملُ، وإنما الخلاف في أقل ما يجزئ، وقد اتفق مالك، والشافعي، وأكثر السلف على عدم جواز المسح على العمامة بدون مسح شيء من الرأس، وقد تقدم قول أحمد بالجواز إذا كانت محنكة، وممن قال بجواز الاقتصار على بعض الرأس: الحسن، والثوري والأوزاعي، ونقل عن سلمة بن الأكوع مسح مقدم الرأس، وعن ابن عمر مسح اليافوخ، ذكر ذلك ابن قدامة بدون سند.
وإذا تأملت ما تقدم علمت أن الأَولى مسح الرأس كله؛ لأنها الحالة المتفق عليها، والثابتة من فِعلِه - صلى الله عليه وسلم - في أكثر الأوقات، وهي أحوط في العبادة؛ لأن الاتفاق حاصل على إجزائها وفضلها، بخلاف غيرها والله أعلم.
تنبيه:
الجمهور على أن مسح الرأس مرة واحدة، وأكثر الأحاديث في صفة الوضوء مصرحة بذلك تدل عليه، وقال الشافعي، وأصحابه بتكرار المسح، وعمدتهم في ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثًا، ثلاثًا، فقالوا: إن هذا يشمل الغسل والمسح، وهذا محتمل لولا التصريح في بعض الروايات، بل في أكثرها بمرة واحدة، ولعل ذلك يأتي في شرح الأحاديث إن شاء الله، مع أن "ثلاثًا، ثلاثًا" صادق بفعل ذلك في البعض، فلا يكون نصًا على محل النزاع؛ لاسيما أن المسح مبني على التخفيف، وقد اتفقوا على عدم التكرار في المسح للتيمم -والله أعلم-.

الصفحة 51