كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

قوله -جل ذكره-: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فيها ثلاث قراءات: قرأ نافع وابن عامر، والكسائي، وحفص عن عاصم -هؤلاء من السبعة-، ويعقوب -من الثلاثة- بالنصب عطفًا على وجوهكم، أو على أيديكم على الخلاف المعروف في علم العربية أن العطف إذا كان بعد أكثر من واحدٍ هل يكون عطفًا على الأول، أو على الأخير، وكل ذلك يقتضي غسل الرجلين، غير أن فيه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة غير اعتراضية، وهو عند القائلين به هنا للمحافظة على ترتيب الأعضاء، فهو حجة للقائلين بالترتيب على وجوب الترتيب، أو هو معطوف على محل المجرور بالباء في قوله: "برؤوسكم" فإنه في محل نصب بامسحوا، ولاسيما عند من يرى أن الباء زائدة، إذ التقدير عنده "امسحوا رؤوسكم" غير أنه يحتاج إلى أن يقول إن المسح، والغسل يعطف أحدهما على الآخر لصحة إطلاق المسح على الغسل كما سيأتي، أو أن الكلام فيه محذوف دل عليه السياق، وهو فعل يناسب المقام أي: اغسلوا أرجلكم، كما تقدمت الإِشارة إلى مثله في قول لبيد - رضي الله عنه -:
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها
والنعام لا يطفل، فخرج الكلام على: "وباض نعامها"، وقد استبعد بعضهم العطف على محل الجار، والمجرور، فقال: إنه بعيد لفظًا، ومعنىً، ولعله أراد بذلك عدم تذرّع الشيعة إلى مذهبهم في المسح بهذا الوجه، وإلَّا فالعطف على محل المجرور ثابت كما قال ابن مالك -رحمه الله-:
وجر ما يتبع ما جر ومن ... راعى في الاتباع المحل فحسن
القراءة الثانية: قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم بالجر وهاتان القراءتان متواترتان، وقرأ الحسن بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف أي: "وأرجلكم كذلك فاغسلوا" وهذه القراءة، وهي الثالثة شاذة. ومن أجل هذا الاختلاف في القراءة اختلف الناس في الرجلين، فروي عن ابن عباس، وأنس بن مالك، وعكرمة، والشعبي، وأبي جعفر محمَّد بن علي الباقر -رحمة الله على الجميع- أن حكمهما المسح، وهو مذهب الإمامية من الشيعة، وقال الجمهور من الفقهاء، والمفسرين، والمحدثين: إن فرضهما الغسل، قال ابن العربي -رحمه الله-: (اتفق العلماء على وجوب غسلهما، وما علمت

الصفحة 52