كتاب معجم شيوخ الطبري

صغره، وقبل رحلته لطلب العلم، إلى الأمصار والأقطار، ولما تذع شهرتهم وَصِيتِهِم في تلك الآفاق الرحبة التي جابها الطبري بعد ذلك، فلم يعرفهم من أهل العلم والحديث إلا من سمعهم ولقيهم، وكتب عنهم، فوافق بعد ذلك ما كتبه عنهم أو سمعه منهم ما تلقاه الطبري عن غيرهم من شيوخه المشهورين المعروفين في غير بلده، من سائر الأقطار والأمصار. والله تعالى أعلم.
ثم إني رأيت الطبري في روايته عمن لم نظفر لهم على تراجم، وعددهم نحو (خمسة وخمسين) شيخًا يسميهم، أو يعميهم، أو يكنيهم، أو ينسبهم بما هو قريب من أسمائهم، أو كناهم، أو أنسابهم، وقد يكونون أكبر، وأقدم منه، بحيث يكون في سماعه منهم شك أو أصغر منه، بحيث يكون في سماعه منهم نظر. وقد عملت جاهدًا أن أقربهم إلى أقرب شيخ يحتمل أن يكون هو المراد.
وبالرغم من المقولة المشهورة عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: «ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير، والملاحم، والمغازي - ويروى ليس لها أصل -» أي إسناد؛ لأن الغالب عليها المراسيل. كذا في «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (13/ 346).
وبرغم أن الكثرة الكاثرة من هذه الآثار التي درسناها، والتي لم تصح أسانيدها؛ لضعف، أو شذوذ، أو نكارة، أو انقطاع، أو إبهام، أو إرسال، أو إعضال إلا أنها بمجموع طرقها إلى منتهاها من أهل التأويل، من الصحابة والتابعين، وتابعيهم بإحسان، ممن كانت لهم قدم راسخة في معرفة تأويل كتاب الله رواية، ودراية؛ من خلال معرفة الوجوه والنظائر، وأساليب اللغة العربية، وأسباب النزول، وسلامة الفطرة والطوية، والبعد عن البدع والأهواء، والعلم والعمل بالسنن والآثار، فضلاً عن روايتهم لكتب التفسير، والأجزاء الحديثية والنسخ الأثرية، والمجالس الإملائية «الأمالي» مع البعد الشاسع بين بلدان من روى تلك الروايات الكثيرة، والتي بلغت عشرات الألوف من الروايات مما يستحيل معها تواطؤهم على الكذب على الله ورسوله، باختلاق معانٍ لكلام الله غير مرادةٍ منه سبحانه؛ سيما وأن الله تعالى قد تولى حفظ كتابه ألفاظًا ومعاني بقوله سبحانه، وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.

الصفحة 802