كتاب تحرير السلوك في تدبير الملوك

بِلَا (28 ب) مراء قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْمكنون {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون}
وَمن الحكم الْبَالِغَة الشحيح مطرود مقامات الْكِرَام مَعْدُود من سيئات الْأَيَّام مَقْصُود بسهام الْمَلَامَة بَين النام لَا يسود أبدا وَلَا يبلغ مقصدا
(29 أ) وَأما الْكَذِب فَيَكْفِي فِي ذمَّة أَنه يجانب الْإِيمَان ويسلب خصيصة الْإِنْسَان فان النُّطْق هُوَ الْفَارِق بَينه وَبَين سَائِر الْحَيَوَان وآلته الْمعبر بهَا عَمَّا فِي الضمائر المتوصل بهَا عِنْد التخاطب إِلَى إِظْهَار مَا فِي السرائر هِيَ اللِّسَان فَإِذا اسْتَعْملهُ صَاحبه (29 ب) فِي الْكَذِب فَغير الْأَشْيَاء عَن حقائقها وأبرز الْبَاطِل فِي صُورَة الْحق وَأخْبر بالأمور على خلاف مَا هِيَ عَلَيْهَا وكسا الْمحَال لِبَاس الصدْق فقد سقط الوثوق بِهِ من الْقُلُوب عِنْد الْأَخْبَار وَلم يبْق لما يصدر عَنهُ أثر وَلَا اعْتِبَار
وَمن الحكم الْبَالِغَة (30 أ) الْكَذِب يسلب صَاحبه صفة الصّلاح ويلبسه جِلْبَاب الافتضاح وَيجْعَل در نَعته لَغوا منثورا وَلَو نظمه الْجَوْهَرِي فِي سمط الصِّحَاح
فَهَذِهِ الرذائل الْخَمْسَة يتَعَيَّن على السُّلْطَان أَن يصون نَفسه وَشرف همته وَعز سُلْطَانه وَحسن سمعته (30 ب) عَن شَيْء مِنْهَا لِأَنَّهَا النقائض الوضيعة المحطة لِذَوي الأقدار الرفيعة وَمِنْهَا يتَطَرَّق تَزْيِين الفضائح وتحسين القبائح فَإِنَّهُ قل مَا كَانَت فِيهِ إِلَّا اختلت أَحْوَال مَمْلَكَته بِلَا نزاع واضطربت قَوَاعِد دولته ونفرت عَنهُ قُلُوب (31 أ) الإتباع وعميت عَلَيْهِ

الصفحة 32