كتاب تحرير السلوك في تدبير الملوك

وَمن الحكم الزاهرة أَي ملك جده هزله وحقق قَوْله فعله (42 ب) وقهر رَأْيه هَوَاهُ فِي تَدْبيره وَعبر ظَاهره عَمَّا فِي ضَمِيره وَلم يخدعه رِضَاهُ عَن حَقه وفوض كل عمل إِلَى مُسْتَحقّه وَاسْتعْمل بالكفاءة لَا بشفاعة المتعرضين وَلم يَأْخُذ بالسعاية قبل الْكَشْف وَلَا استهواه تَحض المعترضين فَهُوَ خليق (43 أ) بِاسْتِحْقَاق الملكة وارتداء جِلْبَاب جدير بهَا وَلم يكن أواصره وعناصره من أَرْبَابهَا
وَإِلَى هَذَا الْحَال انْتهى بِنَا الْكَلَام على مُقَدّمَة الْكتاب فلنشرع فِي الْكمّ على الْوَاسِطَة بعون الْملك العلام فَنَقُول وَالله للعفو مسؤول
أعلم أَن الله (43 ب) جلّ جَلَاله وتقدس كَمَاله شرع الزواجر والعقوبات ردعا للعباد عَن الْفساد وَوضع الروادع والسياسات حفظا لنظام المعاش والمعاد فَوَجَبَ على من قَلّدهُ الْقيام برعاية خلقه وألزمه النّظر فِي مظالم الْعباد الْإِحَاطَة بالسياسة (44 أ) الدِّينِيَّة تحريا للنجاة من عَذَاب يَوْم التناد وَلَا تكون سياسته غاشمة خَارِجَة عَن قَوَاعِد دين الْإِسْلَام وَأَحْكَامه آثمة بَاطِلَة فِي شَرِيعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيكون من الغشمة الْجَاهِلين الَّذين سيجزون بغشهم جحيما وَمن الجهلة الظَّالِمين (44 ب) الَّذين سيصلون بظلمهم سعيرا ويسقون حميما بل من الْمُنْذرين فِي كتاب الله الْمكنون بقوله عز اسْمه {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} فمعرفة مَا لَا يجوز لَهُ وَمَا يجوز تهدية إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم وتنجيه من عَذَاب أَلِيم وتعلمه أَن (45 أ) النَّاظر فِي الْمَظَالِم أوسع من الْقُضَاة فِي محَال النّظر مجالا وأعم مِنْهُم فِي الفحص عَن الْمَظَالِم والجرائم أعمالا وَأكْثر مِنْهُم فِي الْكَشْف عَن الْحق أسبابا

الصفحة 37