كتاب تحرير السلوك في تدبير الملوك

حكى أَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ خطب فِي النَّاس فِي أول خِلَافَته خطْبَة أعرب بهَا عَن قِيَامه فِي الله ومعداته فَقَالَ (50 أ) أَيهَا النَّاس أوصيكم بتقوى الله فَإِنَّهُ لَا يقبل غَيرهَا وَلَا يرحم إِلَّا أَهلهَا وَقد كَانَ قوم من الْوُلَاة منعُوا الْحق حَتَّى اشْترى مِنْهُم شِرَاء وبذلوا الْبَاطِل حَتَّى افتدى مِنْهُم فدَاء وَالله لَوْلَا سنة الْحق أميتت فأحييتها وَسنة من الْبَاطِل أَحييت فأمتها مَا باليت (50 ب) أَن أعيش فواقا وَاحِدًا فالسعيد مِنْكُم من يحوي رشدا أصلحوا أخرتكم يصلح لكم دنياكم أَن إمرء سوء لَيْسَ بَينه وَبَين آدم إِلَّا ميت لمغرق فِي الْمَوْتَى وَعَن قريب بكأس الْمنية يُؤْتى كل أَمر مصبح أَهله وَالْمَوْت أدنى من شِرَاك نَعله
الثَّانِي النّظر (51 أ) فِي جور الْعمَّال فِيمَا يحبونه من الْأَمْوَال فَيرجع فِيهِ إِلَى القوانين لعادلة فِي داوين الْأَئِمَّة فَيحمل النَّاس عَلَيْهَا وَيَأْخُذ الْعمَّال بهَا ويقودهم إِلَيْهَا وَينظر فِيمَا استزادوه فَإِن رَفَعُوهُ إِلَى بَيت المَال أَمر برده على أَصْحَابه وَإِن أَخَذُوهُ لأَنْفُسِهِمْ استرجعه مِنْهُم لأربابه (51 ب)
حكى عَن الْمهْدي رَحمَه الله أَنه جلس يَوْمًا للنَّظَر فِي مظالم الْعباد فَرفعت إِلَيْهِ إِلَيْهِ قصَص فِي الكسور فَسَأَلَ عَن ذَلِك تحريا للرشاد فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان بن وهب كَانَ عمر بن لخطاب رَضِي الله عَنهُ قسط الْخراج على أهل السوَاد وعَلى مَا فتح من نواحي الْمشرق وَالْمغْرب وريا (52 أ) وعينا بِالِاجْتِهَادِ وَكَانَت الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير مَضْرُوبَة على وزن كسْرَى وَقَيْصَر فِي غَالب الأَرْض وَكَانَ أهل الْبِلَاد يؤدون فِيمَا فِي أَيْديهم من المَال عددا وَلَا ينظرُونَ فِي فضل بعض الأوزان على بعض ثمَّ فسد النَّاس فصاروا يؤدون من الْخراج (52 ب) المَال الدَّرَاهِم الطبرية وَهِي أَرْبَعَة دوانيق ويمسكون الدِّرْهَم الواقي الَّذِي وَزنه مِثْقَال فَلَمَّا ولى زِيَاد الْعرَاق طَالب بأَدَاء الواقي وألزمهم الكسور وجار فِي ذَلِك فِي زمن بني أُميَّة

الصفحة 40