كتاب تحرير السلوك في تدبير الملوك

الْحجاب فَقَالَ الْمَأْمُون دعها فَإِن الْحق أنطقها وَالْبَاطِل أخرسه وَأمر (68 أ) برد ضياعها إِلَيْهَا فَفعل الْمَأْمُون فِي النّظر بَينهمَا مَا تقضيه السياسة حَيْثُ كَانَ بِمحضر مِنْهُ وَلم يُبَاشر بِنَفسِهِ لِأَن الْخصم امْرَأَة يجل الْمَأْمُون عَن محاورتها وَابْنه من جلالة الْقدر بمَكَان لَا يقدر غَيره على إِلْزَامه الْحق وإحراجه عَنهُ فَرد النّظر (69 أ) بِمحضر مِنْهُ إِلَى من كَفاهُ محاورة الْمَرْأَة فِي استيضاح الدَّعْوَى وَالْحجّة وباشر بِنَفسِهِ تَنْفِيذ الحكم وإلزام ابْنه الْحق وسلوك المحجة
الثَّانِي مقويات الدَّعْوَى أَن يقْتَرن بهَا كتاب يدل على صِحَّتهَا فِيهِ شُهُود معدولون غائبون عَن المخاضعة (69 أ) فَالَّذِي يخْتَص بالناظر فِي الْمَظَالِم هُنَا أَرْبَعَة أَشْيَاء يعتمدها حِين المحاكمة
أَحدهمَا إرهاب الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَرُبمَا تجْعَل بِقُوَّة الهيبة من إِقْرَاره مَا يغنى عَن سَماع الْبَيِّنَة عِنْد إِنْكَاره
وَثَانِيهمَا التَّقَدُّم بإحضار الشُّهُود إِذا عرف مكانهم وَلم يدْخل الضَّرَر (70 أ) الشاق عَلَيْهِم عِنْد إحضارهم
وثالثهما الْأَمر بملازمة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام ويجتهد رَأْيه فِي الزِّيَادَة عَلَيْهَا بِحَسب الْحَال من قُوَّة الأمارة وَدَلَائِل الصِّحَّة والإلزام
وَرَابِعهَا أَن ينظر فِي الدَّعْوَى بتصوره الْجَمِيل فَإِن كَانَت مَالا فِي الذِّمَّة كلفه (70 ب) إِقَامَة الْكَفِيل وَإِن كَانَت عينا قَائِمَة كالعقار حجر عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا يرفع حكم يَده عَنْهَا بل يرد استغلالها إِلَى أَمِين يحفظه على مستحقيه مِنْهَا
فَإِن تطاولت مُدَّة إِحْضَار الشُّهُود وَوَقع الْيَأْس من إحضارهم اعْتمد النَّاظر

الصفحة 48