كتاب المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية

فصل: "في صلاة الجماعة وأحكامها"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يسأل الله تعالى خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه" 1, وذلك كل ليلة لأن الليل محل الغفلة. "و" ذلك "في النصف الأخير والثلث الأخير أهم" للخبر الصحيح: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له" 2, ومعنى ينزل ربنا ينزل أمره أو ملائكته أو رحمته أو هو كناية عن مزيد القرب، وبالجملة فيجب على كل مؤمن أن يعتقد من هذا الحديث ومشابهه من المشكلات الواردة في الكتاب والسنة كـ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} ، {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} , وغير ذلك مما شاكله أنه ليس المراد بها ظواهرها لاستحالتها عليه تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا، ثم هو بعد ذلك مخير إن شاء أولها بنحو ما ذكرناه وهي طريقة الخلف وآثروها لكثرة المبتدعة القائلين بالجهة والجسمية وغيرهما مما هو محال على الله تعالى وإن شاء فوض علمها إلى الله تعالى وهي طريقة السلف وآثروها لخلو زمانهم عما حدث من الضلالات الشنيعة والبدع القبيحة فلم يكن لهم حاجة إلى الخوض فيها. واعلم أن القرافي3 وغيرها حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك.
فصل: في صلاة الجماعة وأحكامها
والأصل فيها الكتاب4 والسنة كخبر الصحيحين: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" 5, وفي رواية البخاري: "بخمس وعشرين" ولا منافاة؛ لأن القليل لا ينفي الكثير أو أنه أخبر أولا بالقليل, ثم أعلم بالكثير فأخبر به أن ذلك يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة.
__________
1 من حديث أبي هريرة. رواه البخاري في الجمعة باب 37، ومسلم في الجمعة حديث 13 ومالك في الجمعة حديث 15.
2 رواه البخاري في التهجد باب 14، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث 168-170، وأبو داود في السنة باب 19، والترمذي في الصلاة باب 211، والدعوات باب 78، وابن ماجه في الإقامة باب 182، والدارمي في الصلاة باب 168، ومالك في القرآن حديث 30، وأحمد في المسند "2/ 264، 267، 282، 419، 487، 504".
3 هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي العلاء إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله الصنهاجي البهفشي القرافي. ولد سنة 626، وتوفي سنة 684هـ، انظر هدية العارفين "5/ 99".
4 في قوله تعالى في الآية 102 من سورة النساء: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... } .
5 رواه البخاري في الأذان باب 30، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 249، والنسائي في الإمامة باب 42، ومالك في الجماعة حديث1، وأحمد في المسند "2/ 65، 112" من حديث ابن عمر.

الصفحة 144