كتاب مجموع رسائل الحافظ ابن عبد الهادي

الراشدون (¬1)، ولكن كان يذكر عقب كل صلاة، ويرغب في ذلك، ويجهر بالذكر عقيب الصلاة، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة - حديث المغيرة بن شعبة (¬2) وعبد الله بن الزبير (¬3).
والناس في هذه المسألة طرفان ووسط، منهم من لا يستحب ذكراً ولا دعاء، بل بمجرد انقضاء (ق 36 - أ) الصلاة يقوم هو والمأمومون كأنهم فروا من قسورة، وهذا ليس بمستحبٍّ، ومنهم من يدعو هو والمأمومون رافعي أيديهم وأصواتهم، وهو أيضاً خلاف السنة، والوسط هو أتباع ما جاءت به السنة من الذكر المشروع عقيب الصلاة، ويمكث الإمام مستقبل المأمومين على الوجه المشروع.
ولكن إذا دعوا أحيانًا لأمرٍ عارضٍ -كاستسقاءٍ وانتصارٍ ونحو ذلك- فلا بأس بذلك، كما أنهم لو قاموا ولم يذكروا لأمرٍ عارض جاز ذلك ولم يُكره، وكل ذلك منقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان أكثر الأوقات يستقبل المأمومين بعد أن يسلم، وقبل أن يستقبلهم يستغفر ثلاثاً، ويقول: "اللَّهم أنت السَّلام ومنك السَّلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" (¬4)، وكان يجهر بالذكر كقوله: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له (ق 36 - ب) له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللَّهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (¬5) وأحيانًا كان يقوم عقيب السلام، والله أعلم.
¬__________
(¬1) انظرا مجموع الفتاوى" (22/ 492 - 504، 512 - 520).
(¬2) رواه البخاري (2/ 378 - 379 رقم 844 وأطرافه في: 6330، 6473، 6615، 7292)، ومسلم (1/ 414 - 415 رقم 593) ..
(¬3) رواه مسلم (1/ 415 - 416 رقم 594).
(¬4) رواه مسلم (1/ 414 رقم 591) عن ثوبان - رضي الله عنه.
(¬5) هو في حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - المتقدم.

الصفحة 235