كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 1)

فَصلٌ

أما قوله: (فلو كان أصحاب اليمين في الجنة بدءا من الآن لكانوا طبقتين فقط، وكذلك لو كان الأنبياء والشهداء مع سائر المؤمنين في محلهم حيث هم الآن لكانوا طبقتين أيضا، ولكانت الثالثة ساقطة) فهو غير لازم، لأن هذه الأقسام المذكورة إنما قسمها الله تعالى بالنظر إلى يوم القيامة لا إلى ما قبله.
يبين ذلك أن الله تعالى قال: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة: 1] يعني يوم القيامة، ثم قال: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} [الواقعة: 2] أي: ليس لوقعتها مثنوية ولا رجوع، أي أنها تقع ولا بد، ثم قال: {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة: 3] أي: ترفع أقواما وتخفض آخرين، وذلك {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} [الواقعة:4 - 7].
فهذا نص بأن هذه الحال إنما تكون في يوم القيامة، أعني جميع ما تضمنته هذه الآيات من الخفض والرفع ورج الأرض وبس الجبال وكون الناس أزواجا ثلاثة، ثم ذكر الله تعالى الأزواج الثلاثة وقسم أحوالهم بما يؤول إليه أمرهم، فجعل المقربين في الطبقة العليا من الثواب، وجعل أصحاب اليمين في الدرجة الثانية منه، وجعل أصحاب الشمال في النار معذبين.

الصفحة 130