كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 1)

بذلك بينهم وبين الناس الذين أصابتهم النار بذنوبهم (ثم يخرجون منها ويستقرون في الجنة) (¬1).
فإذا تقرر هذا فنقول: إن الآية فيها: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} [الانشقاق: 11]، ومثل هذا اللفظ لم يرد في الشرع أنه يطلق على المؤمن البتة ولو كان صاحب كبائر، وذلك لحرمة الإيمان وحرمة المتصف به، فلا يدعو بالويل والثبور في القيامة إلا الهالك المنسد عليه طريق الرحمة، قال الله تعالى في أهل التكذيب المستوجبين للنار: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 11 - 12].
ثم أخبر سبحانه بأنه يقال لهم: {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان: 14].
وكذلك قوله: {وَيَصْلَى سَعِيراً} [الانشقاق: 12] لا يطلق على المؤمن، وإن كان مذنبا، فإن السعير إنما أعد للكفار، قال الله تعالى في الآية المتقدمة: {وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً} [الفرقان: 11]، وقال في الشياطين: {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} [الملك: 5]، ثم قال: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الملك: 6]، إلى قوله تعالى (¬2): {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي
¬_________
(¬1) في (ب) هكذا: وفي آخر هذا الحديث أنهم يدخلون الجنة.
(¬2) ليست في (ب).

الصفحة 177