كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 1)

فصل
وقول كل واحد من الأنبياء في حديث أنس: (لست لها) أي الشفاعة الكبرى إنما معناه لست لها لأجل الخطايا التي يذكرونها لأنفسهم حسبما ثبتت في حديث غير أنس، وعلى الحقيقة فهم يهابون ذلك المقام، ويعلمون أن الشفاعة فيه تحتاج إلى إذن: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] فهم أعرف بالله من أن يقدموا عليه بغير إذن، لاسيما في ذلك اليوم الذي يقولون فيه: «إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب مثله بعده» (¬1).
ولا يبعد أن يقذف في نفوسهم أن المانع لهم تلك الخطايا التي ألموا بها في الدنيا فيذكرونها حينئذ، والمانع لهم على الحقيقة أن ذلك لم يجعل لهم، وإنما خص به محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولذلك يقول: أنا لها، معناه: أنا المستحق لها من بني آدم المأذون له في أمرها، إذ أعلمه الله تعالى بذلك في الدنيا، وفي الآخرة يتبين صدق قوله عند من لا يؤمن به. (ق.42.أ)
فإن شفاعة نبينا محمد - عليه السلام - لابد من وقوعها يوم القيامة على نحو ما جاءت به الأحاديث من التفسير لها.
¬_________
(¬1) هو طرف من حديث الشفاعة، وقد خرجه باللفظ الذي ساقه المصنف: البخاري (3162 - 4435) ومسلم (194) والترمذي (2434) وأحمد (2/ 435) وابن حبان (6465) وأبو عوانة (437 - 438) وابن أبي شيبة (7/ 415) عن أبي هريرة.

الصفحة 215