كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 1)

ثم ورد في الطائفة الرابعة أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله فقط ولم يذكر فيها اعتبار ما في القلب.
ويحتمل ذلك عندنا أمرين:
أحدهما: أن يحمل ما في الثلاثة الأحوال من ذكر الإيمان في القلب على الطاعات التي هي فروع الإيمان (¬1)، وربما كانت الطاعات المختصة بعمل القلب كخشية الله، أو شفقة على مسلم، أو نية في عمل خير، أو هم بحسنة أو ترك سيئة لله، ونحو ذلك، ويكون قول لا إله إلا الله في الحالة الرابعة على هذا التأويل محمولا على الإيمان المجرد الذي ليس فيه إلا التصديق فقط من غير زيادة عليه (¬2).
والثاني: أن يحمل الإيمان في تلك الأحوال الثلاث على بابه ويعتبر ما في القلب منه في القوة والضعف، ويكون من قال لا إله إلا الله في الحالة الرابعة معتبرا بمن قالها مرة من عمره عن تصديق، ولم يكن في قلبه تكذيب بها ولا استمر تصديقه لها، بل صحبته في ذلك غفلة حتى مات على هذه الحالة.
فتفضل الله على من هذه صفته من الناس بعدم الخلود في النار، التفاتا إلى النطق بتلك الكلمة في الوقت الذي نطق بها فنفعته، إذ لم يكن في باطنه بعد ذلك تكذيب بمعناها.
¬_________
(¬1) مذهب أهل السنة أن الأعمال من أصول الإيمان.
(¬2) قصر الإيمان على مجرد التصديق أو المعرفة قول جهم بن صفوان، وعنه تلقاه المرجئة.

الصفحة 223