كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 2)

ثم قال: فسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلى اليهودية وخيرهم بين ذلك وبين القتل فاختاروا القتل، فخد لهم الأخدود، فحرق بالنار وقتل بالسيف ومثل بهم، حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا.
ففي ذي نواس وجنده ذلك أنزل الله تبارك وتعالى على رسوله محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} [البروج: 5] إلى آخر الآيات.
فهؤلاء الذين ذكر ابن إسحاق من حمير الداخلين في دين اليهود ومن أهل نجران الداخلين في دين النصارى كلهم من العرب، وليسوا من بني إسرائيل الذين أرسل إليهم موسى وعيسى عليهما السلام.
إلا أن قول ابن إسحاق عن ذي نواس أنه خير أهل نجران بين اليهودية أو القتل، فيه نظر، فإن اليهودية شريعة موسى، وهي قائمة لم تكن منسوخة، فلا فرق بينها حينئذ وبين شريعة عيسى.
فكيف يصح ذلك القول والله تعالى يقول: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 8]، واليهود ومن كان على دينهم حينئذ (¬1) مؤمنون بالله.
وقد جاء في التفسير أن الذي حرق أصحاب الأخدود كان مشركا على اختلاف في ذلك (¬2).
¬_________
(¬1) كتب في هامش (أ)، وسقط من (ب).
(¬2) تفسير ابن كثير (4/ 497).

الصفحة 440