كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 1)

وبالجملة فالصدق من أعلى مقامات المقربين، لأن فيه الانقطاع عن الخلق والانفراد بالخالق.
ولذلك قال بشر بن الحارث: من عامل الله تعالى بالصدق استوحش (¬1) من الناس (¬2).
وقال يوسف بن أسباط: لأن أبيت ليلة واحدة أعامل الله تعالى بالصدق أحب إلي من أن أضرب بسيفي في سبيل الله. (¬3)
وهذا ينظر (ق.7.ب) إلى قول أبي الدرداء: ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم. الحديث.
وفيه: وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى، قال: ذكر الله.
وروى ذلك مرفوعا عن النبي - عليه السلام - (¬4).
¬_________
(¬1) كذا في النسخة (أ)، وفي النسخة (ب): واستوحش.
(¬2) رواه أبو نعيم في الحلية (8/ 347).
(¬3) هذه المقابلة فيها نظر عندي، وأي تعارض بين الصدق والجهاد، بل من جاهد في سبيل الله صادقا من قلبه فذلك من أعلى مقامات معاملة الله بالصدق.
(¬4) رواه الترمذي (3377) وابن ماجه (3790) وأحمد (5/ 195) والحاكم (1825) والبيهقي في الشعب (1/ 394) كلهم من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد بن أبي زياد عن أبي بحرية عن أبي الدرداء.
ورجاله ثقات، وعبد الله بن سعيد الأكثر على توثيقه، وتكلم فيه أبو حاتم ويحيى القطان وهما متشددان.
لكن رواه أحمد (5/ 195 - 6/ 447) من طريق موسى بن عقبة عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس عن أبي الدرداء.
فأسقط أبا بحرية. ... =
= والقلب أميل إلى ترجيح موسى بن عقبة. ويبعد سماع زياد من أبي الدرداء.
ورواه مالك (490) عن زياد بن أبي زياد أنه قال قال أبو الدرداء. فوقفه.
ورواه أحمد (5/ 239) من طريق عبد العزيز يعنى ابن أبي سلمة عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل أنه قال قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي سنده مبهم.
والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع (2629) والحاكم في مستدركه.
وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 254).
وذكره الدارقطني في العلل (6/ 215)، وحكى فيه الخلاف وسكت.
والذي أراه، والله أعلم، أن زياد بن أبي زياد كان يضطرب فيه كما تقدم، وهو متكلم فيه، مع مافيه من النكارة الظاهرة.

الصفحة 50