كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 2)

ونحن نتكلم على الآية فنقول: قوله تعالى في أولها {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} [الروم: 30] إن كان المقصود به النبي - عليه السلام - وحده على ظاهر الآية فيحتمل أن يريد بإقامة الدين فيها إقامة معالمه وتمهيد شرائعه وتأصيل (¬1) أحكامه.
وإن كان المقصود به النبي - عليه السلام - وأمته على ما يظهر من قوله: {مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 33]، إذ ساقه بلفظ الجمع فيكون المراد بإقامة الدين إخلاص العمل لله في الطاعة والتوجه نحوه في العبادة كما قال إبراهيم: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأنعام: 79].
وانتصب {فِطْرَةَ اللَّهِ} ... [الروم: 30] فيما قيل على معنى اتبعوا فطرة الله.
وقيل: هو مصدر، عمل فيه ما قبله من الجملة. (¬2)
وقيل المعنى فيه: فطر الله الناس فطرة (¬3).
ويحتمل في الإعراب أن يكون مفعولا من أجله، ويكون التقدير: فأقم يا محمد وجهك للدين حنيفا من أجل فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهي قبولُهم للمعرفة بالله، واستعدادُهم للاتصاف بها عن سرعة، أي احملهم على
¬_________
(¬1) في (ب): تفاصيل.
(¬2) قال ابن حجر في الفتح (3/ 248): وهو منصوب على المصدر الذي دل عليه الفعل الأول، أو منصوب بفعل مقدر، أي: الزم.
(¬3) قاله ابن جرير (10/ 183).

الصفحة 685