كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 2)

واللغة لا تعضد واحدا من هذين القولين، لأنه لا يوجد في اللغة، عبد بمعنى: أمر بالعبادة، ولا بمعنى: استعبد، هذا إن لو كان الفعل في قوله: {لِيَعْبُدُونِ} منسوبا إلى الله تعالى، وإنما هو منسوب إلى المخلوقين، فكيف يصح أن يقال: عبد الرجل: إذا أمره غيره بالعبادة، أو عبد: إذا استعبده غيره، وإنما يوجد في اللغة (¬1): عبد الرجل الإله: إذا ألزم نفسه العبادة، وكذلك عابد الوثن أيضا.
ويقال: عبِد الرجل من الشيء (بكسر الباء): إذا أنف منه (¬2)، وقد قيل ذلك في قول الله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81] أي: الآنفين من ذلك المعتقدين بطلانه (¬3).
وقال بعض أهل اللغة: لا يقال من الأنفة في اسم الفاعل إلا عبد لا عابد. وهذا هو القياس، وحكى ابن قتيبة في غريب القرآن (¬4) أنه يقال من الأنفة: عبدت من كذا أعبد عبدا، فأنا عبد وعابد.
¬_________
(¬1) عبد يعبد عبادة وعبودية، وهي الخضوع والتذلل والطاعة، ومنه طريق معبد، وبعير معبد أي سهل ذليل.
والتعبد التنسك، تقول نسك ينسك نسكا أي عبد، وزنا ومعنى.
انظر الصحاح (2/ 100 - 101) واللسان (3/ 272 - 273).
(¬2) لسان العرب (9/ 13).
(¬3) قاله البخاري (4/ 1821) وحكاه ابن كثير (4/ 136) عن سفيان الثوري.
وراجع تفسير القرطبي (16/ 119) والفتح لابن حجر (8/ 569).
(¬4) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة (401).

الصفحة 715