كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 2)

وقوله: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 100] أي افتروا عليه الكذب في قولهم إن الملائكة بنات الله (¬1).
وقد تقدم ذكر هذا المعنى في القسم الثالث من أهل الفترة، ومضى هنالك ما ذكره مسلم عن عبد الله بن مسعود في قوله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]، قال: نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون فبقوا على عبادتهم لهم (¬2).
وهذه العبادة قد يشبه أن تكون عبادة خالصة للجن، فيكون هؤلاء خلاف من جعل الجن شركاء لله.
وقد نطق الكتاب العزيز بعبادة من عبد الجن من المشركين، قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ: 40 - 41].
فأخبر أن الملائكة تبرأت من أن تعبد، وذكرت أن الجن هم الذين كان الكفار يعبدونهم.
وقد أشار زيد بن عمرو في شعره المتقدم إلى هذا المعنى في الجن، وذلك قوله:
حنانيك إن الجن كانت رجاءهم ... وأنت إلهي ربنا ورجائيا
¬_________
(¬1) خرقوا، أي اختلقوا وافترقوا، كما في تفسير الطبري (7/ 297).
(¬2) رواه مسلم (3030).

الصفحة 748