كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 2)
وقيل: لما كانت الجن ممن يخاطب ويعقل قال: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ} [الأنعام: 130] وإن كانت الرسل من الإنس، وغلَّب الإنسَ في الخطاب كما يُغلب المذكر على المؤنث (¬1).
وإذا كانت الآية محتملة فليس فيها جلاء لما قاله الضحاك، لكن نعلم أن الحجة قد قامت عليهم بإرسال الرسل (¬2) إليهم في الجملة، ولذلك قال الله عنهم وعن الإنس معهم: {قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا} [الأنعام: 130]، أي: شهدنا على أنفسنا أن الرسل جاءتنا فلن نؤمن بهم.
يدل على ذلك قول الله تعالى في آخر الآية: {وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: 130].
إذ اعترفوا جميعا على أنفسهم بالكفر ولا يكون ذلك من الجن إلا بعد توجه الخطاب إليهم وإن لم نعلم المتوجه به إليهم بعينه قبل محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ولنتكلم على ذلك بالاستقراء فنقول قال الله تعالى حكاية عن الجن: {يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [الأحقاف: 30].
¬_________
(¬1) وهو قول كثير من المفسرين، انظر تفسير القرطبي (17/ 163) وابن كثير (4/ 170).
قال ابن كثير عن الآية المذكورة: فالمراد من مجموع الجنسين فيصدق على أحدهما وهو الإنس، كقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، أي أحدهما.
(¬2) كذا في (ب)، وفي (أ): رسل.