كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 2)

والفراغ في اللغة (¬1) على وجهين: يكون بمعنى الفراغ من الشغل، ويكون بمعنى القصد.
وهو في هذا الموضع بمعنى القصد، فكأن معنى قوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرحمن: 31] أي سنقصد لمجازاتكم بأعمالكم يوم الجزاء.
وقوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا} [الرحمن: 33] معناه في قول ابن عباس (¬2): إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات وما في الأرض فاعلموه، ولن تعلموه إلا بسلطان، أي ببينة من الله تعالى.
وعنه أيضا أن المعنى: لا تخرجون عن سلطاني وقدرتي عليكم (¬3).
وهذا القول أشبه بمفهوم الآية، ويظهر ذلك بأن نزيد في العبارة عنه فنقول: يكون معنى الآية: إن استطعتم أن تخرجوا عن قهر الله وقدرته عليكم في التسخير فاخرجوا، وذلك لا يقدر عليه، إذ العالم بما فيه مسخر كله لله
¬_________
(¬1) قال في اللسان (10/ 242): وقوله تعالى: سنفرغ لكم أيها الثقلان، قال ابن الأعرابي: أي سنعمد.
واحتج بقول جرير: ولما اتقى القين العراقي باسته ... فرغت إلى العبد المقيد في الحجل.
قال: معنى فرغت: أي عمدت.
وفي حديث أبي بكر رضى الله عنه: افرغ إلى أضيافك، أي اعمد واقصد.
ويجوز أن يكون بمعنى التخلي والفراغ لتتوفر على قراهم والاشتغال بهم.
(¬2) رواه ابن جرير (11/ 594).
(¬3) رواه ابن جرير (11/ 594) والبيهقي في الأسماء والصفات وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (7/ 701).

الصفحة 765