كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (اسم الجزء: 2)

فصح ما قلناه من الفرق بين المقربين وبين أصحاب اليمين، وتناظرت النصوص كلها، وتبين أن أصحاب اليمين وإن كانوا قد ذكر الله أنهم: {ِ في سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ} [الواقعة:28 - 40] فإنما هذا بنص الآية على ما يصيرون إليه بعد الحساب يوم القيامة بلا شك لما ذكرنا.
يؤيد هذا قول الله عز وجل في آخر السورة نفسها: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 83 - 96].
فنص تعالى على أن هذه حالهم وقسمهم فجعلهم أيضا ثلاث طبقات:
أولها: المقربون المعجل لهم الجنة والنعيم.
وثانيها: أصحاب اليمين الذين لهم السلام معجلا فقط.
وثالثها: المكذبون الضالون، وهذا بين.
ثم قد صح بالنص والإجماع أن الكفار مخلدون في النار غير خارجين منها أبدا بعد دخولهم فيها يوم القيامة، وصحت أيضا بنص القرآن

الصفحة 810