كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره
وسياق الآية يبين دلالتها على صحة الاعتبار بين الخالق والمخلوق بطريق الأولى، فإن الله تعالى يقول: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 57 - 60]، فإذا كانت الأنوثة نقصا وعيبا لا يرضاه المشرك لنفسه، ويكره أن يضاف إليه، فإن الخالق أولى بالنزاهة عن الولد الناقص المكروه، لأن الله تعالى له المثل الأعلى المشتمل على كل كمال وللمشرك مثل السوء المشتمل على كل نقص! وهذه الحجة لبيان تناقض المشركين، لأن انتفاء الولد مطلقا معلوم من النصوص الأخرى! (¬1).
ومما يعضد دلالة الآية على صحة قياس الأولى، واعتباره طريقا شرعيا في الاستدلال بصفات المخلوق على صفات الخالق طردا وعكسا النصوص الآتية:
1 - قوله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15]، فجعل ما في المخلوق من قوة وشدة يدل بطريق الأولى على قوة الخالق وشدته، لأن الخالق أحق بالكمال من المخلوق (¬2).
2 - قوله تعالى: {اقْرَا وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق: 3]، أي
¬_________
(¬1) انظر: درء التعارض لابن تيمية 1/ 36، 37، 7/ 362 - 369، تفسير ابن كثير 2/ 573، 3/ 431.
(¬2) انظر: مجموع الفتاوى 16/ 357.
الصفحة 112
152