كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره

الكلابية، والانتصار لمقالتهم ببراهين كلامية، حتى كثر أتباعه، وانتشرت مقالاته، وتحولت نسبة المذهب إليه بدلا عن ابن كلاب (¬1).
وللأشعري مؤلفات كثيرة، أوصلها المقريزي إلى خمسة وخمسين مؤلفا (¬2). آخرها "كتاب الإبانة" على أصح أقوال أهل العلم، وهو أقربها للسنة، حتى أن بعض علماء السلف اعتبره توبة من مذهب الكلابية ورجعة للسنة المحضة. وهو حكم تؤيده شواهد في الكتاب أبرزها إثبات العلو والاستواء، والوجه، والعينين، واليدين، وإبطال تأويلها (¬3).
والصواب أنه بقي على عقيدة ابن كلاب حتى في الإبانة، لأن الموافقة بينهما إنما هي في نفي الصفات الاختيارية، فرارا من حلول الحوادث بذات الرب، ولهذا تأولوا ما ورد في النصوص منها بأحد أمرين:
الأول: أن تجعل الصفة أزلية، وينفي ما يستلزم تجددها، فالكلام مثلا جعلوه معنى أزليا قائما بذات الله، وأنكروا ما يتعلق منه بالمشيئة، ولهذا زعموا أن ألفاظ القرآن حكاية أو عبارة عن كلام الله!.
الثاني: أن يجعل مقتضى الصفة الاختيارية مفعولا منفصلا عن الله لا يقوم بذاته، فالاستواء والنزول مثلا لا يعنيان قيام مقتضاهما بذات الله، وإنما يعنيان أنه فعل فعلا في العرش سماه
¬_________
(¬1) انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/ 93، الخطط للمقريزي 2/ 358.
(¬2) انظر: الخطط 2/ 359.
(¬3) انظر: الإبانة للأشعري ص119 - 141.

الصفحة 132