كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره

أحدهما: محمد بن الحسن بن فورك، وقد تميز بالعناية بالحديث، والاهتمام به، والغلو في التأويل، فلم يقف عند تأويل ما جاءت به السنة من الصفات الخبرية، كالكف والقدم والأصابع، وإنما توسع في ذلك، فأول العلو والاستواء مخالفا أئمة مذهبه. أما ما عدا الاستواء من الصفات الخبرية الواردة في القرآن، وهي الوجه واليدين والعين فقد أبقاها على ظاهرها، ومنع تأويلها! (¬1).
والثاني: عبد القاهر بن طاهر البغدادي، وقد أدرك أبا عبد الله بن مجاهد، تلميذ الأشعري المشهور (¬2)، وعاصر الباقلاني وابن فورك وغيرهما، إلا أن وفاته تأخرت عنهما بأكثر من عشرين عاما. وقد كان للبغدادي دور مهم في توسع الأشاعرة في التعطيل، فقد زاد على تعطيل ابن فورك نفي الصفات الخبرية الواردة في القرآن، وإلى جانب ذلك أيد بقوة دليل الحدوث، وما بناه عليه أسلافه من تعطيل الصفات، وصاغ آراء الأشاعرة على أنها عقيدة المسلمين على مدى القرون حتى استقر في أذهان كثير من الناس أن مذهب الأشاعرة يمثل مذهب أهل السنة والجماعة لا آراء فرقة من الفرق الإسلامية! (¬3).
ويبدو أن تعطيل الأشاعرة قد استقر بعد هذين الرجلين على نفي الصفات الاختيارية والعلو والاستواء دون ما ذهب إليه
¬_________
(¬1) انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة 2/ 555 - 570.
(¬2) انظر: أصول الدين للبغدادي ص310.
(¬3) انظر: أصول الدين للبغدادي ص23، 76 - 79، 109 - 115، الفرق بين الفرق للبغدادي ص313 - 366، موقف ابن تيمية من الأشاعرة ص572 - 580.

الصفحة 134