كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره

حرره الباقلاني من مقدمات البراهين، وما ترتب عليها من اعتقاد بطلان المدلول من بطلان دليله (¬1).
وقد سار أئمة الأشاعرة من بعده على طريقته، وأوغلوا في علوم الفلسفة، وخلطوها بعلم الكلام، وبلغ هذا الاتجاه ذروته على يد الفخر الرازي، ولهذا اتخذه الأشاعرة إماما، وبدؤوا في تحرير مذهبهم في صورته النهائية اعتمادا على كتبه في المقام الأول، ومن ثم ظهرت الكتب التي استقر عليها مذهبهم، كطوالع الأنوار للبيضاوي، والمواقف، والعقائد العضدية، وكلاهما لعضد الدين الإيجي، وشرح المقاصد للتفتازاني.
وأهم ما تميزت به مرحلة الغزالي والرازي فيما يتعلق بتعطيل الصفات، تأصيل قوانين التأويل، كتقديم العقل على النقل عند التعارض، والزعم بأن الدليل اللفظي لا يفيد اليقين، لعدم عصمة رواة مفرداته، واحتمال الاشتراك، والمجاز، والنقل، والتخصيص، والإضمار، والتأخير والتقديم، والنسخ، والمعارض العقلي الذي لو كان لرجح عليه! (¬2).
¬_________
(¬1) انظر: مقدمة ابن خلدون ص465، 466، مناهج البحث عند مفكري الإسلام للنشار ص77 - 100.
(¬2) انظر: المحصل للرازي ص71، أساس التقديس للرازي ص130، موقف ابن تيمية من الأشاعرة للمحمود ص627، 629، 643، 654 - 697.
وعلى الرغم من هذه المخالفات العقدية المنكرة وغيرها مما لم أذكره، فقد اشتهر هذا المذهب، وكثر أتباعه، لكثرة من اعتقده وانتصر له وصنف فيه من المتكلمين، ولتبني بعض الممالك الإسلامية له، وحمل الناس على التزامه، حتى كان يستباح دم من خالفه! انظر: الخطط للمقريزي 2/ 358 - 361.
وقد تصدى علماء السلف لهذا المذهب، وألفوا في ذلك كتبا كثيرة، من أعظمها وأهمها فيما يتعلق بالرد على قوانين التعطيل، درء التعارض لابن تيمية، والصواعق المرسلة لابن القيم.

الصفحة 136