كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره
خامسا: التنزيه عن النقائص المطلقة:
ثبوت المثل الأعلى أو الكمال المطلق لله ـ تعالى ـ يدل سمعًا على تنزيهه عن جميع صفات النقص المطلق ـ وهي ما كانت نقصًا في حق الخالق والمخلوق ـ، لأن إثبات الشيء نفي لضده ولما يستلزم ضده. يقول ابن تيمية رحمه الله: "السمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى وصفات الكمال ما قد ورد، فكل ما ضاد ذلك فالسمع ينفيه، كما ينفي عنه المثل والكفء، فإن إثبات الشيء نفي لضده ولما يستلزم ضده. والعقل يعرف نفي ذلك كما يعرف إثبات ضده، فإثبات أحد الضدين نفي للآخر وما يستلزمه" (¬1).
وعلى هذا الأصل المحكم بنى علماء السلف تنزيه الرب عن النقائص المطلقة التي لم يصرح السمع بنفيها عن الله تعالى بأعيانها، كتلك التي افتراها اليهود ـ لعنهم الله ـ من وصف الرب بالحزن والندم، والبكاء والمرض، والكذب والغفلة والجهل!! وغير ذلك مما تطفح به أسفارهم المحرَّفة وخاصة أسفار التلمود! (¬2)، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
أما المتكلمون فقد بنوا تنزيه الرب عن هذه النقائص على نفي الجسم، فقالوا: لو اتصف الرب بها لكان جسما، والجسم على الله محال، لتماثل الأجسام فيما يجب ويجوز ويمتنع، ولأنها لا تخلو من الأعراض الحادثة، وما لا يخلو من الحوادث فهو محدث، ولأن الجسم مركب من أجزائه والمركب مفتقر لغيره، ولأن الجسم
¬_________
(¬1) الرسالة التدمرية ص139.
(¬2) انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/ 106، الرسالة التدمرية لابن تيمية ص132، الأسفار المقدسة لعلي وافي ص26 - 40.
الصفحة 36
152