كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره
محدود متناه لابد له من مخصص يخصه ببعض الأشكال، وما افتقر إلى غيره لم يكن إلها! (¬1).
وهذا الأصل لا يصلح اعتباره مناطا للتنزيه لعدة أسباب، منها:
1 - أنه دليل مبتدع: فلم يرد نفي الجسم في الكتاب ولا السنة، لا في سياق الرد على اليهود، ولا على غيرهم من الكفار، ولم ينطق أحد من علماء السلف بلفظ الجسم لا نفيا ولا إثباتا، ولهذا لا يجوز اعتباره مناطا لما ينزه عنه الرب من الصفات (¬2).
2 - أنه مخالف للفطرة: فقد فطر الله عباده على العلم بأن طرق المطالب الإلهية الكلية يقينية وغير مركبة، وعلى أن طريقة الاستدلال في الأمور الحسية والعقلية إنما تكون بالأجلى على الأخفى، لأن الدليل معرف للمدلول ومبين له. ودليل المتكلمين في التنزيه مخالف لهذه الفطرة العامة، لأن انتفاء الحزن والبكاء والمرض وسائر النقائص أظهر من انتفاء الجسم، لكثرة ما يتوقف عليه نفي الجسم من مقدمات، وكثرة ما تشتمل عليه مقدماته من شكوك تعتاص على المهرة بعلم الكلام فضلا عن عامة الخلق! (¬3).
¬_________
(¬1) انظر: شرح المقاصد للتفتازاني 4/ 43 - 47.
وقد فرع المتكلمون أصلهم في التنزيه إلى طرق كثيرة ترجع إلى ثلاث طرق: طريق الأعراض، وطريق التركيب، وطريق الاختصاص. انظر: درء التعارض لابن تيمية 7/ 141، 142، 8/ 24.
(¬2) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/ 74، الرسالة التدمرية له أيضا ص135، 136.
(¬3) انظر: الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد ص47 - 49 (ضمن فلسفة ابن رشد)، الرسالة التدمرية لابن تيمية ص133.
الصفحة 37
152