كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره

النصوص من مدح الرب والثناء عليه بنفي المثل أو الكفء أو الند أو السمي فإنه دليل على كثرة صفات كماله، ونعوت جلاله، حتى تفرد بالكمال المطلق الذي يستحيل معه وجود المثل!. ولهذا أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير المثل الأعلى بنفي المثل، وتفسيره بالصفة العليا (¬1)، لأن النفي محقق لإثبات الكمال كما ذكر آنفا، وكذلك الإثبات فإنه محقق لنفي المثل ومستلزم له، إذ ثبوت الصفة العليا يستحيل معه وجود المثل، لأنهما إن تماثلا لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتماثلا فالصفة العليا لأحدهما وحده، ولهذا ورد في النصوص الجمع بين نفي المثل وإثبات الكمال في موضع واحد، إذ كل واحد منهما مستلزم للآخر ومحقق له، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 1، 2]، فاسم الأحد يتضمن نفي المثل، واسم الصمد يتضمن إثبات جميع صفات الكمال.
وهذا مدرك أهل السنة والجماعة في باب الصفات، فإنهم يثبتون صفات الكمال المطلق على وجه الاختصاص بما للرب من الصفات، فلا يماثله شيء من المخلوقات فيما هو من خصائصه وكمالاته التي تفرد بها في السماوات والأرض، فكل صفة من صفات الكمال فإن الله متفرد بها من كل وجه أو متصف بها على وجه لا يماثله فيه أحد، وهذا من أعظم ما يدخل في حقيقة التوحيد، وهو ألا يشركه شيء فيما هو من خصائصه (¬2).
¬_________
(¬1) انظر: تفسير الطبري 11/ 21/38، تفسير البغوي 3/ 481.
(¬2) انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 2/ 186، 187، 523، 529، 530، مجموع الفتاوى 5/ 329، الرسالة التدمرية ص124، الصواعق المرسلة لابن القيم 3/ 1019 - 1023، 1031، 1032، 4/ 1367 - 1371، 1444.

الصفحة 41