كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره

وأصل الضلال في هذا الباب مشترك بين الممثلة والمعطلة، فقد اعتقدوا أن ظاهر نصوص الصفات التي تطلق على الرب والعبد إنما يدل على ما يليق بالمخلوق ويختص به، ومن ثم أبقاه الممثلة على ما توهموه، واعتقدوا التشبيه دينا لهم، وفي المقابل أوجب المعطلة تأويل الظاهر أو تفويضه، لاستحالة الأخذ بظاهر النص، لأنه إنما يدل ـ في نظرهم ـ على التمثيل الباطل بنصوص التنزيه! (¬1).
والغريب أن هذا الأصل مبني على قول الجهم بن صفوان في الأسماء التي تقال على الرب والعبد، فقد زعم أنها مجاز في الخالق حقيقة في المخلوق، فنقله هؤلاء بوعي أو بغير وعي لباب الصفات فزعموا أنها حقيقة في المخلوق مجاز في الخالق، ولهذا لم يظهر لهم من دلالاتها إلا ما يتعلق بالمخلوق ويختص به! (¬2).
وهذا من أفسد الأصول وأخطرها، لأنه يعني صحة نفي أسماء الله وصفاته، إذ خاصة المجاز صحة نفيه!، ويستلزم أيضا أن يكون في العبد أكمل وأتم منها في الرب، إذ إطلاقها على الرب مجرد تمثيل لما هو حقيقة في العبد!.
والصواب أن الألفاظ التي تطلق على الرب والعبد حقيقة
¬_________
(¬1) انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/ 105، 106، مقدمة ابن خلدون ص463، شرح الجوهرة للبيجوري ص91 - 94.
(¬2) انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 2/ 582، درء التعارض له أيضا 5/ 184، بدائع الفوائد لابن القيم 1/ 164.

الصفحة 44