كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره

مما فروا منه، وذلك بتمثيل الرب بالمنقوصات أو المعدومات. يقول الإمام البخاري: "قال بعض أهل العلم: إن الجهمية هم المشبهة، لأنهم شبهوا ربهم بالصنم والأصم والأبكم الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يخلق" (¬1).
وفي إبطال أساس التعطيل والتمثيل، وتصور محاذيره دلالة واضحة على بطلان المقالتين معا، وكذلك فإن فيما تمدح به الرب من المثل الأعلى دلالة برهانية على بطلان مقالتي التمثيل والتعطيل، إذ حقيقته وصف الرب بما لا مثل له من صفات الكمال. ولدلالة المثل الأعلى نظائر كثيرة تماثله أو تمثل بعض جوانبه، منها:
1 - قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 1، 2]، فإن اسم الأحد يتضمن نفي المثل، وهو رد على الممثلة، واسم الصمد يتضمن إثبات صفات الكمال، وهو رد على المعطلة (¬2).
2 - قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، فإن أولها رد على الممثلة وآخرها رد على المعطلة، ولهذا قال الشوكاني رحمه الله: "من فهم هذه الآية حق فهمها، وتدبرها حق تدبرها مشى عند اختلاف المختلفين في الصفات على طريقة بيضاء واضحة، ويزداد بصيرة إذا تأمل معنى قوله: وهو السميع البصير، فإن هذا الإثبات بعد ذلك النفي للمماثل قد اشتمل على برد اليقين، وشفاء الصدور، وانثلاج القلوب، فاقدر يا طالب
¬_________
(¬1) خلق أفعال العباد ص134 (ضمن عقائد السلف)، وانظر: الرسالة التدمرية لابن تيمية ص69 - 90
(¬2) انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 2/ 185، 186.

الصفحة 46