كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره

المخلوقات، لأنها مسخرة مدبرة، والمسخر المأمور مخترع من قبل غيره ضرورة.
والثاني: حاجة المحدَث إلى محدِث: وهذا الأصل معلوم بضرورة العقل، فالمحدَث لابد له من محدِث لا يفتقر إلى غيره، وهو الله تعالى. يقول ابن تيمية: "معلوم بضرورة العقل أن المحدث لابد له محدث، وأنه يمتنع تسلسل المخلوقات باتفاق العقلاء، وذلك بأن يكون للمحدَث محدِث، وللمحدِث محدَث إلى غير غاية، وهذا يسمى تسلسل المؤثرات، والعلل، والفاعلية، وهو لا يزول إلا بمحدث أزلي لا يحتاج إلى غيره" (¬1).
2 - دليل العناية: فما في الوجود من مظاهر العناية بالمخلوقات عامة، والإنسان خاصة، براهين قاطعة على وجود الخالق، وعلى كماله، وتوحيده. ويدخل في هذا الدليل كثير من صور الاستدلال، منها:
أ - دلالة الإتقان: فكل مخلوق يحمل من كمال الإتقان ما يدل على وجود خالقه وكمال ذاته وصفاته، قال تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]، وقال: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7]، وقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4].
ب - دلالة التناسق: فالعالم كله علويَّه وسفليَّه يخضع لنواميس كونية متناسقة ثمرتها التوافق الدقيق بين المخلوقات، والموافقة التامة لوجود الإنسان، قال تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ
¬_________
(¬1) مجموع الفتاوى 16/ 445 (بتصرف)، وانظر: الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد ص61، الأدلة العقلية للعريفي ص209 - 226.

الصفحة 67