كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره

الأعلى قول لا إله إلا الله" (¬1)، وقال محمد بن المنكدر في قوله: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} قال: "لا إله إلا الله" (¬2).
فالمعرفة والتوحيد أمران متلازمان، وهما أعظم ثمرات المثل الأعلى على الإطلاق، ولهذا كثر في نصوص القرآن والسنة التصريح بصفات الكمال ليعرف العباد ربهم بأسمائه وصفاته وأفعاله، وتمتلئ قلوبهم بمحبته وصدق التوكل عليه، فإن التحقق بمعرفة صفات الإلهية يورث المحبة الخاصة المستلزمة لكمال الطاعة والعبادة، والتحقيق بمعرفة صفات الربوبية يورث صدق التوكل وكمال الاستعانة، وهي الاعتماد على الله وحده في جلب المنافع ودفع المضار، ثقة بكفاية الله في العطاء والمنع والضر والنفع.
فالمعرفة الحق بصفات الإلهية تثمر إفراد الله بالعبادة قولا وعملا، والمعرفة بصفات الربوبية تثمر كمال الاستعانة بالله، والعبادة والاستعانة، أو الشرع والقدر هما أصلا السعادة في الدنيا والآخرة، وخاصة المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وقد جمع الله هذين الأصلين في مواضع من كتابه، كقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، وقال: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123]، وقال: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: 10]، يقول ابن تيمية: "الناس في عبادته واستعانته على أربعة أقسام:
فالمؤمنون المتقون هم له وبه، يعبدونه ويستعينونه.
وطائفة تعبده من غير استعانة ولا صبر، فتجد عند أحدهم
¬_________
(¬1) تفسير القرطبي 14/ 22.
(¬2) تفسير ابن كثير 3/ 431.

الصفحة 74