كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره

أولا: التوكل: فإن العلم بقدرة الرب وتفرده بالضر والنفع يورث أهله صدق التوكل على الله وحده في جلب المنافع ودفع المضار، وهذه الثمرة من أعلى درجات الإيمان التي توصل أهلها لخيرات الدنيا والآخرة، وأعلاها دخول الجنة بلا حساب، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2 - 4]، وقال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، أي كافيه في جلب المنافع ودفع المضار. وروى مسلم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: «عرضت عليَّ الأمم .....» الحديث، وفيه: «هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا (¬1)
يدخلون الجنة بغير حساب .....» الحديث إلى قوله: «هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون» (¬2). وهذه الفضيلة لأهل التوكل التام خاصة، وهو ما تميز أهله باجتماع ثلاث خصال قل أن تجتمع في مسلم، وهي: ترك الرقى الشركية، وعدم العمل بمقتضى التشاؤم، وترك الاكتواء في الأحوال المكروهة (¬3).
¬_________
(¬1) ورد في بعض الروايات الثابتة ما يدل على تكرم الرب وإكرام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما يزيد على هذا العدد بكثير: فقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استزاد ربه فزاده مع كل ألف سبعين ألفا، وفي رواية للترمذي: وثلاث حثيات من حثياته.

انظر: المسند للإمام أحمد 2/ 359، سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة، باب ما جاء في الشفاعة 4/ 626، فتح الباري لابن حجر 11/ 410، صحيح الجامع الصغير للألباني 2/ 1196.
(¬2) صحيح مسلم بشرحه للنووي: كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب 3/ 93، 94.
(¬3) في تحرير دلالة الحديث كلام طويل لأهل العلم، والظاهر ما ذكرته حملا للمطلق من النصوص على المقيد، وجمعا بين النصوص المتعددة في المسألة. انظر: الوعد الأخروي للمؤلف 2/ 835 - 853.

الصفحة 76