كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره
والتوكل عمل قلبي إذا استقر في القلب استتبع آثاره الظاهرة والباطنة، وأهمها اثنان:
أحدهما: البراءة التامة من الشرك الأكبر في التوكل، وهو الاعتماد على غير الله في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله، وذلك كالاعتماد على الأولياء المزعومين في الحفظ أو النصر أو الرزق أو العافية أو غير ذلك من المطالب التي لا يقدر عليها إلا الله وحده.
الثاني: صحة التعامل مع الأسباب، وذلك بالحرص على فعل ما ثبت أنه من الأسباب النافعة شرعا أو قدرا دون اعتماد عليه، أو اعتباره وسيلة مستقلة أو حتمية في حصول المسببات. وفي هذه الثمرة نجاة المسلم من كثير من صور الشرك الخفي، كالاعتماد على الأسباب الظاهرة العادية في حصول آثارها، وكمباشرة بعض الأسباب التي تعتبر شركا أو ذريعة له. روى الإمام أحمد بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» (¬1). وقد يصل الانحراف في التعامل مع الأسباب بأهله إلى الخروج من الإسلام كلية، وذلك كمن يؤمن بالتأثير الذاتي للأسباب، أو يباشر من الأسباب ما هو مشتمل على الشرك الأكبر، كالرقى والتمائم المشتملة على سؤال غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله (¬2).
¬_________
(¬1) المسند 1/ 381، وهو حديث صحيح. انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 1/ 584، 585، ح (331).
(¬2) انظر في التوكل وما يتعلق به: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2/ 213، مدارج السالكين لابن القيم 2/ 117، 118، تيسير العزيز الحميد لعبد العزيز آل الشيخ ص495 - 505، القول السديد لعبد الرحمن بن سعدي ص41، 42.
الصفحة 77
152