كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره

رجاء المحسن لقبول العمل، أو التائب لقبول التوبة. أما الرجاء المجرد عن العمل، والاسترسال في المعاصي اتكالا على عفو الله تعالى فهو من الغرور، والأمن من مكر الله، قال تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَامَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]، إذ عاقبته استدراج العاصي حتى يهلكه الله في غفلته!.
ولابد من اقتران الخوف والرجاء في قلب المؤمن، لئلا يفضي به الرجاء إلى الأمن من مكر الله، أو يفضي به الخوف إلى القنوط من رحمة الله، واليأس من روحه، ولهذا قرنت صفات الرحمة بصفات العقوبة في مواضع كثيرة من القرآن، لتورث المؤمن قوة في الخوف والرجاء، واعتدالا بين وعد الله ووعيده، قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49، 50]، وقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} [الرعد: 6]، وقال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98].
وللرجاء الصادق أكبر الآثار في واقع المسلم، فهو يبعث على التوبة النصوح، والإكثار من الأعمال الصالحة رجاء الفوز بجنة الله، ورؤيته، وسماع كلامه، ويحفظ عقيدة المسلم من التعلق بالمخلوقات، رجاء حصول البركة، أو الشفاعة، أو كشف الضر، أو تحويله، ولهذا لا ترى في حياة المسلم الصادق شيئا من مظاهر شرك الرجاء، كالتبرك بمقامات الأنبياء، أو بذوات الأولياء وأضرحتهم، أو بالعيون والمغارات، أو بغير ذلك من البقاع والأمكنة والأعيان، لأنه يعلم يقينا تفرد الرب بجلب المنافع ودفع المضار، ويؤمن بأن الله وحده هو محل رجائه في كل ما يؤمله من

الصفحة 84