كتاب حقيقة المثل الأعلى وآثاره
6 - قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29]، وهذا المثل للدلالة على حسن التوحيد وقبح الشرك، وعدم استواء الموحد والمشرك في صفتيهما وحاليهما، فالمشرك الذي يعبد آلهة شتى بمنزلة عبد يملكه شركاء مختلفون متعاسرون، لا يلقاه أحدهم إلا جره واستخدمه، ومع ذلك لا يرضي واحدا منهم بخدمته، لكثرة الحقوق في رقبته، وتعاسر مواليه، وسوء أخلاقهم!! والموحد الذي يعبد الله وحده مثله كمملوك سالم لرجل واحد، لا ينازعه فيه أحد، قد عرف مقاصده وطرق رضاه، فهو في راحة من تشاحن الشركاء، وفي نعمة ورغد عيش من إحسان سيده وتوليه لمصالحه!! فهذا مثل المؤمن في حياته الطيبة، وذاك مثل المشرك فيما يبتلى به من ضنك الحياة. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]، وقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124]، أي عيشا ضيقا في الدنيا. يقول ابن كثير: "لا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج، لضلاله وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبه يتردد، فهذا من ضنك المعيشة" (¬1).
¬_________
(¬1) تفسير ابن كثير 3/ 168، وانظر: تفسير القرطبي 11/ 258، 259، 5/ 253، إعلام الموقعين لابن القيم 1/ 179، مدارج السالكين 1/ 422، 423.
الصفحة 95
152