كتاب الإمام في بيان أدلة الأحكام

الْفَائِدَة الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ
قد يُجَاب الشَّرْط من جِهَة اللَّفْظ بِمَا لَا يجوز أَن يكون جَوَابا من جِهَة الْمَعْنى فَيكون الْجَواب الْمَعْنَوِيّ أمرا يلازم اللَّفْظ الْمجَازِي بِهِ أَو يدل عَلَيْهِ السِّيَاق مِثَاله قَوْله تَعَالَى {وَإِن يُكذِّبُوك فقد كذبت رسل من قبلك}
جَوَابه الْمَعْنَوِيّ فتأس بهم لِأَن معرفَة الْمُشَاركَة فِي المصائب سَبَب للتأسي فَلذَلِك صَحَّ التَّجَوُّز وَكَذَلِكَ قَوْله {وَإِن يعودوا فقد مَضَت سنة الْأَوَّلين} جَوَابه الْمَعْنَوِيّ فليحذروا أَن يصيبهم مَا أصَاب الْأَوَّلين وَإِنَّمَا صَحَّ التَّجَوُّز من جِهَة أَن من علم أَن غَيره قد عُوقِبَ على عمل فَإِنَّهُ يحذر ذَلِك الْعَمَل مَخَافَة أَن يُصِيبهُ مَا أصَاب غَيره
وَكَثِيرًا مَا تقع هَذِه الضروب فِي أَوْصَاف الْقَدِيم سُبْحَانَهُ كَقَوْلِه {فَإِذا جَاءَ أَجلهم فَإِن الله كَانَ بعباده بَصيرًا} جَوَابه الْمَعْنَوِيّ فَإِذا جَاءَ أَجلهم جزاهم بِمَا عرفه مِنْهُم فَإِن الْجَزَاء بالإساءة وَالْإِحْسَان يتَوَقَّف على معرفتهما فَلَمَّا توقف على ذَلِك صَار كَأَنَّهُ مسبب عَنْهُمَا لتحَقّق التَّوَقُّف وَهَذَا كَقَوْلِك إِن تأت فلَانا فَإِنَّهُ جواد كريم جَوَابه الْمَعْنَوِيّ يعطيك ويبرك فَإِن الْعَطاء وَالْبر فرعان للجود وَالْكَرم وَكَذَلِكَ قَوْلك إِن تَسْتَنْصِر فلَانا فَإِنَّهُ أَسد باسل جَوَابه الْمَعْنَوِيّ ينصرك نصرا بليغا فَإِن النَّصْر يتَوَقَّف على البسالة والجلادة

الصفحة 196