كتاب المفاخرة بين الماء والهواء

لا يبقى زمانين، كما برهن على أنه لا ينتقل إلى مكانين، وما الافتخار
بشيء سريع الزوال، وأما بعرض ليس لطبيعة الشخص عليه انجبال. قال الشاعر:
وأحق من نكسته ... بالذل من درجاته
من مجده ممن غيره ... وسفا له من ذاته
ولذلك قيل:
لسنا وإن أحسابنا كومت ... يوما على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا ... تبني وتفعل مثل ما فعلوا
وأما قولك: إن طبيعتي الرطوبة فذلك أعظم فخري، لأن الرطوبة مادة الحياة التي في الأجسام تسري، إذ الحرارة بمنزلة النار في الأبدان، والرطوبة لها بمنزلة الأدهان، فإذا خلص الدهن انطفى السراج، وزال ما فيه من النور الوهاج، وأما تعبيرك لي بأني متلون فالتلون صفة عارف الزمان، المتخلق بقوله تعالى: {كل يوم هو في شأن}، (وأما قولك) إن قلبي قد انقلب، فالحمد لله الذي قلبه لأعلى الرتب، لأنه كان آخر الحروف فصار أولها، وكلن مفضولها فصار أفضلها، إذا الألف تدل على الذات الأحدية، والباء تشير إلى الحقيقة المحمدية، فكل الأحرف من الباء، والباء إذا فنيت صورتها، وتعينها ونقطتها، كانت عين الألف بلا مراء،

الصفحة 34