كتاب المفاخرة بين الماء والهواء

من غيرتها، وأين بنت الحرام من بنت الحلال، وأين جونة المسك من قوارير الأبوال، فأخذنا تلك البنية بالنية الصافية، وشربناها فقامت بها دعائم العافية، ولم نزل نرشف منها ذوب المسك ومحلول السبج، حتى جأتنا قصبات السبق للسرور تنادي ما على من أحرز قصبات وتاه من حرج، فيالها قصبات تدهش الأبصار، كأنها أغصان بان في طرف كل غصن زهرة من جلنار، وقد اشتمل مجلسنا على كل نديم له صورة الدمية ونفجة الريحانة ونشوة السلافة ولطافة الدرة اليتيمة والجمانة، أديب ألمعي، كأنه الأصمعي، تراه الكامل في الأدب، والعمدة في كل مطلب يأتيك من البديع، بما يخجل ربيع الزهر وزهر الربيع، يثمر المسامرة، ويحضر المحاضرة، ويتقن المحاورة، ويحسن المجاورة، يبادهك بما رقَّ وراق، يجلب لك الغصن من أزهار الأفكار وثمرات الأوراق، يجود على السمع بما يطلبه القلب من الاقتراح، ويجلو عليك من راح ملحه ما يوجب لك الراحة والارتياح (كما قيل في أمثالهم)
لنا جلساء لا يمل حديثهم ... ألباَّء مأمونون غيبا ومشهدا
إذا ما خلونا حسن حديثهم ... معينا على نفي الهموم ومسعدا
يفيدوننا من علمهم علم من مضى ... وعقلا وتهذيبا ورأيا مسددا
ولا غيبة نخشى ولا سوء عشرة ... ولا نتقي منها لسنا ولا يدا

الصفحة 43