كتاب الصارم المنكي في الرد على السبكي

عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لو اتفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) (1) فالجهاد والحج ونحوهما أفضل من زيارة قبره باتفاق المسلمين ولا يكون الرجل بهما كمن سافر إليه في حياته ورآه.
وكان الشيخ قد بحث قبل هذا مع بعض من اعترض عليه من المالكية، واحتج في زيارة قبره بالقياس على زيارة الحي بعد أن ذكر الشيخ ما استدل به فقال: قال المعترض المناقض: وروى مسلم في صحيحه في الذي سافر لزيارة أخ له في الله، ولفظ الحديث: أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في تلك القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا إلا أني أحببته في الله، فقال: إن رسول الله إليك بأن الله أحبك كما أحببته فيه (2) ، وفي موطأ مالك عن معاذ بن جبل في حديث ذكر فيه سمعت رسول الل صلى الله عليه وسلم هـ يقول: أي عن الله ((ووجبت محبتي للمتحابين في، والمتجلسين في والمتزاورين في والمتباذلين في)) (3) .
قال: فقد علمت أيها الأخ بهذا فضيلة زيارة الإخوان وما أعد الله بها للزائرين من الفضل والإحسان، فكيف بزيارة منهو حي الدارين وإمام الثقلين الذي جعل الله حرمته في حال مماته كحرمته في حال حياته، ومن شرفه الحق بما أعطاه من جميع صفاته ومن هدانا ببركته إلى الصراط المستقيم وعصمنا به من الشيطان الرجيم، ومن هو آخذ بحجرنا أن تقتحم في نار الجحيم ومن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم؟
قال الشيخ: والجواب أما زيارة الأخ الحي في الله كما في الحديث فهذا نظير زيارته في حياته يكون الإنسان بذلك من أصحابه وهم خير القرون، وأما جعل زيارة القبل كزيارته حياً كما قاسه هذا المعترض، فهذا قياس ما علمت أحداً من علماء المسلمين قاسه، ولا علمت أحداً منهم احتج في زيارة قبره بالقياس على زيارة الحي المحبوب
__________
(1) رواه البخاري 7/21 من حديث أبي سعيد الخدري ومسلم 4/1967-1968 منحديث أبي سعيد وأبي هريرة وأبي داود 5/45 حديث رقم 4658 والترمذي 5/695 حديث رقم 3861 من حديث أبي سعيد أيضاً، وابن ماجة في المقدمة 1/57 حديث رقم 161 من حديث أبي هريرة.
فائدة: هذا الحديث الصواب فيه أنه من حديث أبي سعيد راجع الكلام على هذا الحديث في تحفة الأشراف 3/343 وفتح الباري 7/34-36.
(2) رواه مسلم 4/1988 وأحمد 2/292 و 408 و 462 و 482 و 508.
(3) أخرجه مالك (الجزء الثاني ص127 مع شرح السيوطي) ما جاء في المتحابين في الله وأحمد 5/223 و 247 وسنده صحيح. انظر صحيح الجامع 1911.

الصفحة 76