كتاب الصارم المنكي في الرد على السبكي

في الله، وهذا من أفسد القياس، فإنه من المعلوم أن من زار الحي حصل له بمشاهدته وسماع كلامه ومخاطبته وسؤاله وجوابه وغير ذلك مما لا يحصل لمن لم يشاهده ولم يسمع كلامه.
وليس رؤية قبره أوريؤة الجدار الذي بنى على بيته بمنزلة رؤيته ومشاهدته ومجالسته وسماع كلامه، ولو كان هذا مثل هذا لكان كل من زار قبره مثل واحد من أصحابه ومعلوم أن هذا من أباطل الباطل.
وأيضاً فالسفر إليه في حياته إما أن يكون لما كانت الهجرة إليه واجبة كالسفر قبل الفتح فيكون المسافر إليه مسافراً للمقام عنده بالمدينة مهاجراً من المهاجرين إليه، وهذا السفر انقطع بفتح مكة، فقال: ((لا هجرة بعد الفتح ولمن جهاد ونية)) (1) ولهذا لما جاء صفوان بن أمية مهاجراً امره أن يرجع إلى مكة، وكذلك سائر الطلقاء كانوا بمكة لم يهاجروا.
وإما أن يكون المسافر إليه وافداً إليه ليسلم ويتعلم منه ما يبلغه قومه كالوفود الذين كانوا يفيدون عليه، لا سيما سنة تسع وعشر سنة الوفود، وقد أوصى في مرضه بثلاث فقال: ((أخرجوا النصارى من جزيرة العرب وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم)) (2) ومن الوفود وفقد عبد القيس لما قدموا عليه ورجعوا إلى قومهم بالبحرين (3) ، لكن هؤلاء أسلموا قديماً قبل فتح مكة وقالوا: لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام لأن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وهم أهل نجد كأسد وغطفان وتميم وغيرهم فإنهم لم يكونوا قد أسلموا بعد.
وكان السفر إليه في حياته لتعلم الإسلام والدين ولمشاهدته، وسماع كلامه، وكان خير محضاً، ولم يكن أحد من الأنبياء والصالحين عبد في حياته بحضرته، فإنه كان ينهى
__________
(1) أخرجه البخاري 6/37 ومسلم 3/1487 وأبو داود 3/8 حديث رقم 2480 والترمذي 4/148 حديث رقم 1590 والنسائي في الكبرى 84/1 قاله المزي 5/26 تحفة والدارمي 2/239 وأحمد 1/226، 26، 355 و 5/187 كلهم من حديث ابن عباس.
(2) أخرجه البخاري 6/170، 270 وكذلك في المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم ووفاته، ومسلم 3/1388 - 1258، وأبو داود 3/423 -424 وأحمد 1/222 جميعاً عن ابن عباس، وانظر السلسلة الصحيحة 1132 ومسلم عن جابر 3/1388 والترمذي 4/156 وأبو داود 3/424.
(3) يشير إلى ما رواه الشيخان من حديث ابن عباس، رواه البخاري 1/129 و 2/7 و 6/208 ومسلم 1/46 ورواه مسلم أيضاً من حديث أبي سعيد.

الصفحة 77