كتاب أحمد عز الدين البيانوني الداعية المربي

ووكل بالخطابة والتدريس بعض إخوانه، ثم اشتد به المرض، فنقل إ لى عمّان،
وأشرف الدكتور قنديل شاكر - وهو من خيرة الأطباء المختصين - على علاج
الشيخ، واعتنى به غاية الاعتناء، ثمّ أخبر أولاده أن مرضه هو السرطان في الدم،
ونقيّ العظام، وعندما استكمل التحاليل، ولاحظ سير الدواء، نصحهم بالعودة
به إلى (حلب)، فلا حيلة للطب وقتئذ في علاج هذا المرض، كما أكّد عليهم أن
يزيدوا من العناية بالشيخ: الأنه يعاني في مرضه من آلام مبرّحة، لو علم بها
عدوه لأشفق عليه، ورق لحاله).
وضرب الشيخ في مرضه مثلاً رائعأ في الصبر والجَلَد، وتحضُل الاَلام
الشديدة، والبعد عن الشكوى احتسإبأ دئه تعالى، ثم إشفاقاً على أهله و أولاده،
لإخوانه ومحبيه.
وكان كلّ من يعوده يشهد اَثار الاَلام المبرحة على وجهه، وفي وعكات
جسده، الذي يرزح تحت وطأة المرض ويئنّ، ولكنّك لا تسمع منه إ لا كلمات
الرضا عن الله تعالى، والثناء عليه سبحانه.
وكان يُطمئِن إخوانه ومحبيه، عندما يسألوه عن حاله، فيجيبهم بقوله:
"سنطيب ان شاء الله "، وكأنه كان يوزي بذلك عن انتقاله من هذه الدار إ لى الدار
الاَخرة: " وَثلأَخِرَةُ ضئرلكَ مِنَ اَ لأوكَ "] الضحى: 4).
وكان مع شدة مرضه، لا يقرّ امامه أية مخالفة شرعية، فكان يشيرُ إشارة
مفهومة، لإنكارِ ما يراه مخالفاً للسنة؟ فإذا رأى بعضَ مَنْ حوله، يشرب
بشماله، يشير إليه ان يشرب بيمينه، وإذا أراد بعض أهله أن يلبسه ثوباً، وقدم له
الكم الشمال امتنع عن تقديم يده، ولم يقدم إ لا يمينه، مما يدلّ على حرصه على
السنة، وتمسّكه بها رحمه الله حتى في أشدّ حالات مرضه.
ثم كتب الشيخ وصيته الثانية وختمها، وكلَّف من حضر من أولاده أن تبلّغ
لولده الشيخ محمد أبي النصر، ولا تفتح إلا بعد وفاته رحمه الله (1).
(1)
وسنعرض في الفصل الئاني من هذه الدرايسة بإذن الله هذه الوصية، ونماذج -
31

الصفحة 31