كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 3)

بالله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] ، بِما عَهِدَ عِنْدَكَ [الأعراف: 134] .
قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ [المائدة: 116] .
ابن القيم: «اعلم أن الله سبحانه وتعالى يقسم بأمور على أمور وإنما يقسم بنفسه الموصوفة بصفاته وآياته المستلزمة لذاته وصفاته. وأقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته، فالقسم إما على جملة خبرية وهو الغالب كقوله تعالى، فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ [الذاريات: 23] وإما على جملة طلبية كقوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر: 92، 93] ، مع أن هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه، فيكون من باب الخبر، وقد يراد به تحقيق القسم فالمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه، فلا بدّ أن يكون مما يحسن فيه ذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها فأما الأمور المشهورة الظاهرة كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض، فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها. وأما ما أقسم عليه الرّبّ فهو من آياته، فيجوز أن يكون مقسما به ولا ينعكس» .
الإمام الرازي رحمه الله تعالى: «أقسم تعالى في بعض السور بمجموع كقوله تعالى:
وَالذَّارِياتِ، وفي بعضها بإفراد كقوله وَالطُّورِ، ولم يقل والأطوار والبحار، والكلمة فيه أن أكثر الجموع أقسم عليها بالمتحركات. والريح الواحدة ليست بثابتة مستمرة حيث يقع القسم عليها، بل هي متبدّلة بأفرادها، مستمرة بأنواعها، والمقصود منها لا يحصل إلا بالتبدّل والتغيّر، فقال: وَالذَّارِياتِ إشارة إلى النوع المستمر لا إلى الفرد غير المستقر. وأما الجبل فهو ثابت غير متغيّر عادة، فالواحد من الجبال قائم زمانا ودهرا فأقسم في ذلك بالواحد.
وكذلك قوله: «وَالنَّجْمِ» ، ولو قال: والريح، لما علم المقسم به وفي الطور علم. والسّور التي افتتاحها القسم بالأسماء دون الحروف، كان القسم فيها لإثبات أحد الأصول الثلاثة وهي:
الوحدانية والرسالة والحشر وهي التي يتم بها الإيمان.
ثم إنه تعالى لم يقسم لإثبات الوحدانية إلا في سورة واحدة من تلك السور وهي:
الصّافَّات، حيث قال تعالى فيها: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ [الصافات: 4] ، وذلك لأنهم وإن كانوا يقولون: أجعل الآلهة إلها واحدا، على سبيل الإنكار فقد كانوا يبالغون في الشرك، لكنهم في تضاعيف أقوالهم وتصاريف أحوالهم كانوا يصرّحون بالتوحيد، وكانوا يقولون: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ [الزمر: 3] وقال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [العنكبوت: 61] .
فلم يبالغوا في الحقيقة والإنكار المطلوب الأوّل، فاكتفي بالبرهان ولم يكثر من

الصفحة 25