كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 3)

مطلقة، واحتمل أن يكون المعنى قبل أن يوحى إليه في شأن الإسراء والمعراج مثلا، أي أن ذلك وقع بغتة قبل أن ينذر به. ويؤيده قوله في حديث الزهري: فرج سقف بيتي. انتهى.
واختلفوا في أي سنة كان، فجزم جمع بأنه كان قبل الهجرة بسنة، وجرى عليه الإمام النووي، وبالغ ابن حزم فنقل فيه الإجماع. وقال القاضي: قبل الهجرة بخمس سنين لأنه لا خلاف أن خديجة صلّت معه بعد فرض الصلاة، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، وتعقّبه ابن دحية بأن المراد بالصلاة التي صلّتها معه هي التي كانت من أول البعثة، وكانت ركعتين بالغداة وركعتين بالعشيّ، وإنما الذي فرض ليلة الإسراء الصلوات الخمس. وقد قالت عائشة رضي الله عنها: «أن خديجة رضي الله عنها ماتت قبل أن تفرض الصلاة» ، رواه ابن سعد، ويعقوب بن سفيان. فالمعتمد أن مراد من قال: بعد أن فرضت الصلاة، ما فرض قبل الصلوات الخمس، إن ثبت ذلك. ومراد عائشة بقولها: مات قبل أن تفرض الصلاة، أي الخمس، فيجمع بين القولين بذلك. ويلزم منه أنها ماتت قبل الإسراء وقد حكى العسكري أنها ماتت قبل الهجرة بسبع سنين وسيأتي تحقيق ذلك في ترجمتها.
واختلفوا في أي الشهور كان [الإسراء] فجزم ابن الأثير وجمع، منهم النووي في فتاويه كما في النسخ المعتمدة، بأنه كان في ربيع الأول، قال النووي: «ليلة سبع وعشرين» . وجرى عليه جمع، وهكذا عن الفتاوى الإسنوي في المهمات، والأذرعي- بفتح أوله والراء وسكون الذال المعجمة بينهما- في التوسط، والزركشي في الخادم، والدميري في حياة الحيوان، وغيرهم. وكذا رأيته في عدة نسخ من الفتاوى وفي بعض النسخ من شرح مسلم كذلك، وفي أكثرها ربيع الآخر كما في نسخ الفتاوى. ونقله ابن دحية في الابتهاج، والحافظ في الفتح، وجمع عن الحربي. والذي نقله عنه ابن دحية في كتابيه: التنوير والمعراج الصغير، وأبو شامة في الباعث، والحافظ في فضائل رجب، ربيع الأول. وقيل: كان في رجب، وجزم به النووي في الروضة تبعا للرافعي، وقيل في رمضان، وقيل في شوال.
قال ابن عطية بعد أن حكى الخلاف والتحقيق: «أنه كان بعد شقّ الصحيفة وقبل بيعة العقبة،. قال ابن دحية: «ويمكن أن يعين اليوم الذي أسفرت عنه تلك الليلة، ويكون يوم الاثنين» . وذكر الدليل على ذلك بمقدمات حساب من تاريخ الهجرة، وحاصل الأمر أنه استنبطه، وحاول موافقة كون المولد يوم الاثنين وكون المبعث يوم الاثنين وكون المعراج يوم الاثنين وكون الهجرة يوم الاثنين وكون الوفاة يوم الاثنين. قال: فإن هذه أطوار الانتقالات النبوية وجودا ونبوة ومعراجا وهجرة ووفاة، فهذه خمسة أطوار، فيكون يوم الاثنين في حقه صلى الله عليه وسلم كيوم الجمعة في حق آدم عليه الصلاة والسلام فيه خلق وفيه أنزل إلى الأرض وفيه تاب الله عليه وفيه مات، وكانت أطواره الوجودية والدينية خاصة بيوم واحد. انتهى.

الصفحة 65