كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 4)

قاتلك الله، يا عدو الله، نافقت. ثم أقبل عليه أسيد بن حضير فقال: والله لولا أني لا أدري ما يوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك لأنفذت خصيتك بالرّمح يا عدو الله فلم خرجت معنا وهذا في نفسك؟ قال: خرجت لأطلب من عرض الدنيا، ولعمري إن محمدا ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة، يخبرنا عن أمر السماء. ووقعوا به جميعا، وقالوا: والله لا يكون منك سبيل أبدا، ولا يظلّنا وإياك ظلّ أبدا، ولو علمنا ما في نفسك ما صحبتنا [ساعة من نهار] فوثب هاربا منهم أن يقعوا به، ونبذوا متاعه، فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس معه فرارا من أصحابه متعوّذا به،
وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما قال من السماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافق يسمع: «إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلّت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وقال: «ألا يخبره الله بمكانها؟، فلعمري إن محمدا ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة» ، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وأن الله تعالى قد أخبرني بمكانها، وإنها في هذا الشّعب مقابلكم، قد تعلّق زمامها بشجرة، فاعمدوا نحوها
(3) .
فذهبوا فأتوا بها من حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر المنافق إليها سقط في يده، فقام سريعا إلى رفقائه الذين كانوا معه، فإذا رحله منبوذ، وإذا هم جلوس لم يقم رجل منهم من مجلسه، فقالوا له حين دنا: لا تدن منّا! فقال: أكلّمكم، فدنا فقال: أنشدكم الله- وفي لفظ:
أذكركم الله- هل أتى أحد منكم محمدا فأخبره بالذي قلت؟ قالوا: لا، والله، ولا قمنا من مجلسنا، قال: فإني قد وجدت عند القوم ما تكلّمت به، وتكلّم به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبرهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد أتي بناقته، وقال: إني قد كنت في شك من شأن محمد، فأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأني لم أسلم إلا اليوم. قالوا: فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستغفر له، واعترف بذنبه. قال ابن عمر: ويقال: إنه لم يزل فشلا حتى مات، وصنع مثل هذا في غزوة تبوك.
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي العقيق تقدّم عبد الله بن عبد الله بن أبيّ، فجعل يتصفّح الرّكاب حتى مرّ أبوه، فأناخ به، ثم وطئ على يد راحلته فقال أبوه: ما تريد يا لكع؟
قال: والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتعلم أيهما الأعزّ من الأذلّ: أنت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فمن مرّ به من المسلمين يرفده عبد الله بن عبد الله ويمنع غير ذلك، فيقول:
تصنع هذا بأبيك؟!
حتى مرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقيل: عبد الله بن عبد الله بن أبيّ يأبى أن يأذن لأبيه حتى تأذن له، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله واطئ على يد راحلة أبيه، وابن أبي يقول: لأنا أذلّ من الصّبيان، لأنا أذلّ من النّساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلّ عن أبيك» ، فخلّى عنه.
ولمّا مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنّقيع- وهو بالنون- منصرفه من المريسيع ورأى سعة وكلأ

الصفحة 352