كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 4)

ذكر ما كان المسلمون يرتجزون به من الشعر في عمل الخندق
قال ابن إسحاق وابن عمر: وارتجز المسلمون في الخندق برجل يقال له: جعيل- بضم الجيم- أو جعالة بن سراقة، وكان رجلا دميما صالحا، وكان يعمل في الخندق، فغيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه يومئذ فسمّاه عمرا، فجعل المسلمون يرتجزون ويقول:
سمّاه من بعد جعيل عمرا ... وكان للبائس يوما ظهرا
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئاً من ذلك، إلا إذا قالوا: عمرا، وإذا قالوا: ظهرا، قال: ظهرا.
وروى الشيخان [ (1) ] وغيرهما عن سهل بن سعد والبخاري عن أنس رضي الله عنهما قالا: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر في الخندق، وننقل التّراب على أكتادنا وفي لفظ:
أكتافنا، وفي لفظ عن متوننا.
وفي رواية: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون يحفرون في غداة باردة، ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك، فلما رأى ما هم فيه من النّصب والجوع قال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر» ،
وفي لفظ: فأصلح، وفي لفظ: فأكرم المهاجرين والأنصار، وفي لفظ: فاغفر للأنصار والمهاجرة، فقالوا مجيبين له:
نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
قال أنس: ويؤتونه بملء كفّي شعير، فيصنع لهم بإهالة سنخة، توضع بين يدي القوم، وهم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن.
وروى الشيخان وأبو يعلى وابن أبي أسامة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى وارى التراب بياض بطنه، وفي لفظ: حتى أغمر بطنه، أو قال اغبرّ بطنه، وفي لفظ: حتى وارى الغبار جلده، وكان كثيف الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات لابن رواحة:
والله لولا ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
ورفع بها صوته: أبينا أبينا، وفي رواية يمدّ صوته بآخرها، ولفظ أبي يعلى: «اللهم لولا أنت» ، وقد بدّل بتصدّقنا «صمنا» .
وروى البيهقي عن سلمان رضي الله عنه، وابن أبي أسامة عن أبي عثمان النهدي رحمه الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخندق وقال:
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 117 ومسلم في كتاب الطهارة (126- 127) .

الصفحة 366